فنفرت إبله لما رأت الصّنم (١) فغضب الملكاني على الصّنم ورماه بحجر وقال :
أتينا إلى سعد ليجمع شملنا |
|
فشتّتنا سعد فما نحن من سعد |
وهل سعد إلّا صخرة بتنوفة |
|
من الأرض لا تدعو لغيّ ولا رشد |
وإنما جيء بأفعل التفضيل بواسطة كلمة (أَشَدُّ) قال التفتازانيّ : آثر (أَشَدُّ حُبًّا) على أحبّ لأن أحب شاع في تفضيل المحبوب على محبوب آخر تقول : هو أحب إلي ، وفي القرآن : (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة : ٢٤] إلخ. يعني أن فعل أحب هو الشائع وفعل حب قليل فلذلك خصوا في الاستعمال كلا بمواقع نفيا للبس فقالوا : أحب وهو محب وأشد حبا وقالوا حبيب من حب وأحب إلى من حب أيضا.
(وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ).
عطف على قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ) وذلك أن قوله ذلك لما كان شرحا لحال ضلالهم الفظيع في الدنيا من اتخاذ الأنداد لله مع ظهور أدلة وحدانيته حتى كان قوله : (وَمِنَ النَّاسِ) مؤذنا بالتعجيب من حالهم كما قدمنا ، وزيد في شناعته أنهم اتخذوا لله أندادا وأحبوها كحبه ، ناسب أن ينتقل من ذلك أي ذكر عاقبتهم من هذا الصنيع ووصف فظاعة حالهم في الآخرة كما فظع حالهم في الدنيا.
قرأ نافع وابن عامر ويعقوب (وَلَوْ يَرَى) بتاء فوقية وهو خطاب لغير معين يعم كل من يسمع هذا الخطاب ، وذلك لتناهي حالهم في الفظاعة والسوء ، حتى لو حضرها الناس لظهرت لجميعهم ويجوز أن يكون الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم (فالذين ظلموا) مفعول (ترى) على المعنيين ، و (إذ) ظرف زمان ، والرؤية بصرية في الأول والثاني لتعلقها في الموضعين بالمرئيات، ولأن ذلك مورد المعنى ، إلّا أن وقت الرؤيتين مختلف ، إذ المعنى لو تراهم الآن حين يرون العذاب يوم القيامة ، أي لو ترى الآن حالهم ، وقرأه الجمهور (يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) بالتحتية فيكون (الَّذِينَ ظَلَمُوا) فاعل (يَرَى) والمعنى أيضا لو يرون الآن ، وحذف مفعول (يَرَى) لدلالة المقام ، تقديره لو يرون عذابهم أو لو يرون أنفسهم أو يكون
__________________
(١) كان هذا الصنم حجرا طويلا ضخما.