(إذ) اسما غير ظرف أي لو ينظرون الآن ذلك الوقت فيكون بدل اشتمال من (الَّذِينَ ظَلَمُوا).
و (الَّذِينَ ظَلَمُوا) هم الذين اتخذوا من دون الله أندادا فهو من الإظهار في مقام الإضمار ليكون شاملا لهؤلاء المشركين وغيرهم ، وجعل اتخاذهم الأنداد ظلما لأنه اعتداء على عدة حقوق فقد اعتدوا على حق الله تعالى من وجوب توحيده ، واعتدوا على من جعلوهم أندادا لله على العقلاء منهم مثل الملائكة وعيسى ، ومثل ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، فقد ورد في «الصحيح» عن ابن عباس أنهم كانوا رجالا صالحين من قوم نوح فلما ماتوا اتخذ قومهم لهم تماثيل ثم عبدوها ، ومثل (اللات) يزعم العرب أنه رجل كان يلت السويق للحجيج (١) وأن أصله اللات بتشديد التاء ، فبذلك ظلموهم إذ كانوا سببا لهول يحصل لهم من السؤال يوم القيامة كما قال الله تعالى : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [المائدة : ١١٦] وقال : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) [سبأ : ٤٠] الآية ـ وقال : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) [الفرقان : ١٧] الآية ، وظلموا أنفسهم في ذلك بتعريضها للسخرية في الدنيا وللعذاب في الآخرة وظلموا أعقابهم وقومهم الذين يتبعونهم في هذا الضلال فتمضي عليه العصور والأجيال ، ولذلك حذف مفعول (ظَلَمُوا) لقصد التعميم ، ولك أن تجعل (ظَلَمُوا) بمعنى أشركوا كما هو الشائع في القرآن قال تعالى عن لقمان : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] وعليه فالفعل منزّل منزلة اللازم لأنه صار كاللقب.
وجملة : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) معترضة والغرض منها التنويه بشأن الذين آمنوا بأن حبهم لله صار أشد من حبهم الأنداد التي كانوا يعبدونها وهذا كقول عمر بن الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم : «لأنت أحب إليّ من نفسي التي بين جنبيّ».
وتركيب لو ترى وما أشبهه نحو لو رأيت من التراكيب التي جرت مجرى المثل فبنيت على الاختصار وقد تكرر وقوعها في القرآن.
وجواب (لَوْ) محذوف لقصد التفخيم وتهويل الأمر لتذهب النفس في تصويره كل مذهب ممكن ونظيره (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) [الأنعام : ٩٣] (وَلَوْ تَرى
__________________
(١) في «الروض» للسهيلي أنه عمرو بن لحي.