والإشارة في قوله : (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ) للإراءة المأخوذة من (يُرِيهِمُ) على أسلوب (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة : ١٤٣].
والمعنى أن الله يريهم عواقب أعمالهم إراء مثل هذا الإراء إذ لا يكون إراء لأعمالهم أوقع منه فهو تشبيه الشيء بنفسه باختلاف الاعتبار كأنه يرام أن يريهم أعمالهم في كيفية شنيعة فلم يوجد أشنع من هذه الحالة ، وهذا مثل الإخبار عن المبتدأ بلفظه في نحو شعري شعرى ، أو بمرادفه نحو والسفاهة كاسمها ، وقد تقدم تفصيله عند قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً).
والإراءة هنا بصرية ولذلك فقوله : (حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) حال من (أَعْمالَهُمْ) ومعنى (يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ) يريهم ما هو عواقب أعمالهم لأن الأعمال لا تدرك بالبصر لأنها انقضت فلا يحسّون بها.
والحسرة حزن في ندامة وتلهف وفعله كفرح واشتقاقها من الحسر وهو الكشف لأن الكشف عن الواقع هو سبب الندامة على ما فات من عدم الحيطة له.
وقوله : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) حال أو اعتراض في آخر الكلام لقصد التذييل لمضمون (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) لأنهم إذا كانوا لا يخرجون من النار تعيّن أن تمنيهم الرجوع إلى الدنيا وحدوث الخيبة لهم من صنع رؤسائهم لا فائدة فيه إلّا إدخال ألم الحسرات عليهم وإلّا فهم باقون في النار على كل حال.
وعدل عن الجملة الفعلية بأن يقال «وما يخرجون» إلى الاسمية للدلالة على أن هذا الحكم ثابت أنه من صفاتهم ، وليس لتقديم المسند إليه هنا نكتة ، إلّا أنه الأصل في التعبير بالجملة الاسمية في مثل هذا إذ لا تتأتّى بسوى هذا التقديم ، فليس في التقديم دلالة على اختصاص لما علمت ولأن التقديم على المسند المشتق لا يفيد الاختصاص عند جمهور أئمة المعاني ، بل الاختصاص مفروض في تقديمه على المسند الفعلي خاصة ، ولأجل ذلك صرح صاحب «الكشاف» تبعا للشيخ عبد القاهر بأن موقع الضمير هنا كموقعه في قول المعذّل البكري :
هم يفرشون اللّبد كلّ طمرّة |
|
وأجرد سبّاق يبذ المغاليا |
في دلالته على قوة أمرهم فيما أسند إليهم لا على الاختصاص اه.
وادعى صاحب «المفتاح» أن تقديم المستند إليه على المسند المشتق قد يفيد