والمعنى قل للمشركين ، فالمخاطب بضمائر الخطاب هم المشركون. والمقصود من الكلام ليس الإعلام بقدرة الله تعالى فإنّها معلومة ، ولكن المقصود التهديد بتذكيرهم بأنّ القادر من شأنه أن يخاف بأسه فالخبر مستعمل في التعريض مجازا مرسلا مركّبا ، أو كناية تركيبية. وهذا تهديد لهم ، لقولهم (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [يونس : ٢٠].
وتعريف المسند والمسند إليه أفاد القصر ، فأفاد اختصاصه تعالى بالقدرة على بعث العذاب عليهم وأنّ غيره لا يقدر على ذلك فلا ينبغي لهم أن يخشوا الأصنام ، ولو أرادوا الخير لأنفسهم لخافوا الله تعالى وأفردوه بالعبادة لمرضاته ، فالقصر المستفاد إضافي. والتعريف في (الْقادِرُ) تعريف الجنس ، إذ لا يقدر غيره تعالى على مثل هذا العذاب.
والعذاب الذي من فوق مثل الصواعق والريح ، والذي من تحت الأرجل مثل الزلازل والخسف والطوفان.
و (يَلْبِسَكُمْ) مضارع لبسه ـ بالتحريك ـ أي خلطه ، وتعدية فعل (يَلْبِسَكُمْ) إلى ضمير الأشخاص بتقدير اختلاط أمرهم واضطرابه ومرجه ، أي اضطراب شئونهم ، فإنّ استقامة الأمور تشبه انتظام السلك ولذلك سمّيت استقامة أمور الناس نظاما. وبعكس ذلك اختلال الأمور والفوضى تشبه اختلاط الأشياء ، ولذلك سمّي مرجا ولبسا. وذلك بزوال الأمن ودخول الفساد في أمور الأمّة ، ولذلك يقرن الهرج وهو القتل بالمرج ، وهو الخلط فيقال : هم في هرج ومرج ، فسكون الراء في الثاني للمزاوجة.
وانتصب (شِيَعاً) على الحال من الضمير المنصوب في (يَلْبِسَكُمْ). والشيع جمع شيعة ـ بكسر الشين ـ وهي الجماعة المتّحدة في غرض أو عقيدة أو هوى فهم متّفقون عليه ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) [الأنعام : ١٥٩]. وشيعة الرجل أتباعه والمقتدون به قال تعالى : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ) [الصافات : ٨٣] أي من شيعة نوح.
وتشتّت الشيع وتعدّد الآراء أشدّ في اللبس والخلط ، لأنّ اللبس الواقع كذلك لبس لا يرجى بعده انتظام.
وعطف عليه (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) لأنّ من عواقب ذلك اللبس التقاتل. فالبأس هو القتل والشرّ ، قال تعالى : (وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) [النحل : ٨١]. والإذاقة استعارة للألم.