والدّين في قوله : (اتَّخَذُوا دِينَهُمْ) يجوز أن يكون بمعنى الملّة ، أي ما يتديّنون به وينتحلونه ويتقرّبون به إلى الله ، كقول النابغة :
مجلّتهم ذات الإله ودينهم |
|
قويم فما يرجون غير العواقب |
أي اتّخذوه لعبا ولهوا ، أي جعلوا الدين مجموع أمور هي من اللعب واللهو ، أي العبث واللهو عند الأصنام في مواسمها ، والمكاء والتصدية عند الكعبة على أحد التفسيرين في قوله تعالى : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) [الأنفال : ٣٥].
وإنّما لم يقل اتّخذوا اللهو واللعب دينا لمكان قوله : (اتَّخَذُوا) فإنّهم لم يجعلوا كلّ ما هو من اللهو واللعب دينا لهم بل عمدوا إلى أن ينتحلوا دينا فجمعوا له أشياء من اللعب واللهو وسمّوها دينا.
ويجوز أن يكون المراد من الدّين العادة ، كقول المثقّب العبدي :
تقول وقد درأت لها وضيني |
|
أهذا دينه أبدا وديني |
أي الذين دأبهم اللعب واللهو المعرضون عن الحقّ ، وذلك في معاملتهم الرسولصلىاللهعليهوسلم.
واللعب واللهو تقدّم تفسيرهما في قوله تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) في هذه السورة [٣٢].
والذين اتّخذوا دينهم لعبا ولهوا فريق عرفوا بحال هذه الصلة واختصّت بهم ، فهم غير المراد من الذين يخوضون في الآيات بل بينهم وبين الذين يخوضون في الآيات ؛ فيجوز أن يكون المراد بهم المشركين كلّهم بناء على تفسير الدين بالملّة والنّحلة فهم أعمّ من الذين يخوضون فبينهم العموم والخصوص المطلق. وهذا يناسب تفسير (ذَرِ) بمعنى عدم الاكتراث بهم وبدينهم لقصد عدم اليأس من إيمانهم أو لزيادة التسجيل عليهم ، أي وذكّرهم بالقرآن ، ويجوز أن يكون المراد بهم فريقا من المشركين سفهاء اتّخذوا دأبهم اللعب واللهو ، بناء على تفسير الدين بمعنى العادة فبينهم وبين الذين يخوضون العموم والخصوص الوجهي.
(وَغَرَّتْهُمُ) أي خدعتهم الحياة الدنيا وظنّوا أنّها لا حياة بعدها وأنّ نعيمها دائم لهم بطرا منهم. وتقدّم تفسير الغرور عند قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) في سورة آل عمران [١٩٦].