المشركون يحاولون ارتداد بعض قرابتهم أو من لهم به صلة. كما ورد في خبر سعيد بن زيد وما لقي من عمر بن الخطاب. وقد روي أنّ عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق دعا أباه إلى عبادة الأصنام ، وأنّ الآية نزلت في ذلك ، ومعنى ذلك أنّ الآية نزلت مشيرة إلى ذلك وغيره وإلّا فإنّ سورة الأنعام نزلت جملة واحدة. وحاول المشركون صرف النبي صلىاللهعليهوسلم عن الدعوة إلى الإسلام وهم يرضونه بما أحبّ كما ورد في خبر أبي طالب.
والاستفهام إنكار وتأييس ، وجيء ـ بنون المتكلّم ومعه غيره ـ لأنّ الكلام من الرسول صلىاللهعليهوسلم عن نفسه وعن المسلمين كلّهم. و (مِنْ دُونِ اللهِ) متعلّق ب (نَدْعُوا). والمراد بما لا ينفع ولا يضرّ الأصنام ، فإنّها حجارة مشاهد عدم نفعها وعجزها عن الضرّ ، ولو كانت تستطيع الضرّ لأضرّت بالمسلمين لأنّهم خلعوا عبادتها وسفّهوا أتباعها وأعلنوا حقارتها ، فلمّا جعلوا عدم النفع ولا الضرّ علّة لنفي عبادة الأصنام فقد كنّوا بذلك عن عبادتهم النافع الضارّ وهو الله سبحانه.
وقوله : (وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا) عطف على (نَدْعُوا) فهو داخل في حيّز الإنكار.
والردّ : الإرجاع إلى المكان الذي يؤتى منه ، كقوله تعالى : (رُدُّوها عَلَيَ) [ص : ٣٣].
والأعقاب جمع عقب وهي مؤخّر القدم. وعقب كلّ شيء طرفه وآخره ويقال : رجع على عقبه وعلى عقبيه ونكص على عقبيه بمعنى رجع إلى المكان الذي جاء منه لأنّه كان جاعلا إيّاه وراءه فرجع.
وحرف (على) فيه للاستعلاء ، أي رجع على طريق جهة عقبه ، كما يقال : رجع وراءه ، ثم استعمل تمثيلا شائعا في التّلبّس بحالة ذميمة كان فارقها صاحبها ثم عاد إليها وتلبّس بها ، وذلك أنّ الخارج إلى سفر أو حاجة فإنّما يمشي إلى غرض يريده فهو يمشي القدمية فإذا رجع قبل الوصول إلى غرضه فقد أضاع مشيه ؛ فيمثّل حاله بحال من رجع على عقبيه. وفي الحديث : «اللهمّ امض لأصحابي هجرتهم ولا تردّهم على أعقابهم». فكذلك في الآية هو تمثيل لحال المرتدّ إلى الشرك بعد أن أسلم بحال من خرج في مهمّ فرجع على عقبيه ولم يقض ما خرج له. وهذا أبلغ في تمثيل سوء الحالة من أن يقال : ونرجع إلى الكفر بعد الإيمان.
وقد أضيف (بعد) إلى (إِذْ هَدانَا) وكلاهما اسم زمان ، فإنّ (بعد) يدلّ على الزمان المتأخّر عن شيء كقوله : (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) [النور : ٥٨] و (إذا) يدلّ على زمان معرّف بشيء ، ف (إذا) اسم زمن متصرّف مراد به الزمان وليس مفعولا فيه. والمعنى بعد الزمن