جملة : (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) مستأنفة استئناف تكرير لما أمر أن يقوله للمشركين حين يدعون المسلمين إلى الرجوع إلى ما كانوا عليه في الجاهلية ، وقد روي أنّهم قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم اعبد آلهتنا زمنا ونعبد إلهك زمنا. وكانوا في خلال ذلك يزعمون أنّ دينهم هدى فلذلك خوطبوا بصيغة القصر. وهي (إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) فجيء بتعريف الجزأين ، وضمير الفصل ، وحرف التوكيد ، فاجتمع في الجملة أربعة مؤكّدات ، لأنّ القصر بمنزلة مؤكّدين إذ ليس القصر إلّا تأكيدا على تأكيد ، وضمير الفصل تأكيد ، و (إنّ) تأكيد ، فكانت مقتضى حال المشركين المنكرين أنّ الإسلام هدى.
وتعريف المسند إليه بالإضافة للدلالة على الهدى الوارد من عند الله تعالى ، وهو الدين الموصى به ، وهو هنا الإسلام ، بقرينة قوله (بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ). وقد وصف الإسلام بأنّه (هُدَى اللهِ) في قوله تعالى : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) في سورة البقرة [١٢٠] ، أي القرآن هو الهدى لا كتبهم.
وتعريف المسند بلام الجنس للدلالة على قصر جنس الهدى على دين الإسلام ، كما هو الغالب في تعريف المسند بلام الجنس ، وهو قصر إضافي لأنّ السياق لردّ دعوة المشركين إيّاهم الرجوع إلى دينهم المتضمّنة اعتقادهم أنّه هدى ، فالقصر للقلب إذ ليسوا على شيء من الهدى ، فلا يكون قصر الهدى على هدى القرآن بمعنى الهدى الكامل ، بخلاف ما في سورة البقرة.
وجملة : (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ) عطف على المقول. وهذا مقابل قوله (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [الأنعام : ٥٦] ، وقوله (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ) الآية.
واللام في (لِنُسْلِمَ) أصلها للتعليل وتنوسي منها معنى التعليل فصارت لمجرّد التأكيد. وهي اللام التي يكثر ورودها بعد مادّة الأمر ومادّة الإرادة. وسمّاها بعضهم لام أن ـ بفتح الهمزة وسكون النون ـ قال الزجّاج : العرب تقول : أمرتك بأن تفعل وأمرتك أن تفعل وأمرتك لتفعل. فالباء للإلصاق ، وإذا حذفوها فهي مقدّرة مع (أن). وأمّا أمرتك لتفعل ، فاللام للتعليل ، فقد أخبر بالعلّة التي لها وقع الأمر. يعني وأغنت العلّة عن ذكر المعلّل. وقيل : اللام بمعنى الباء ، وقيل : زائدة ، وعلى كلّ تقدير ف (أن) مضرة بعدها ، أي لأجل أن نسلم. والمعنى : وأمرنا بالإسلام ، أي أمرنا أن أسلموا. وتقدّم الكلام على هذه اللام عند قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) في سورة النساء [٢٦].