وأساطيرهم مثلما كان عليه اليونان القدماء ، ويحتمل أنّهم عبدوا الكواكب وعبدوا صورا أخرى على أنّها دون الكواكب كما كان اليونان يقسمون المعبودات إلى آلهة وأنصاف آلهة. على أنّ الصابئة يعتقدون أنّ للكواكب روحانيات تخدمها.
وأفل النجم أفولا : غاب ، والأفول خاصّ بغياب النيّرات السماوية ، يقال : أفل النجم وأفلت الشمس ، وهو المغيب الذي يكون بغروب الكوكب وراء الأفق بسبب الدورة اليومية للكرة الأرضية ، فلا يقال : أفلت الشمس أو أفل النجم إذا احتجب بسحاب.
وقوله : (لا أُحِبُ) الحبّ فيه بمعنى الرضى والإرادة ، أي لا أرضى بالآفل إلها ، أو لا أريد الآفل إلها. وقد علم أنّ متعلّق المحبّة هو إرادته إلها له بقوله : (هذا رَبِّي).
وإطلاق المحبّة على الإرادة شائع في الكلام ، كقوله تعالى : (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) [التوبة : ١٠٨]. وقدّره في «الكشّاف» بحذف مضاف ، أي لا أحبّ عبادة الآفلين.
وجاء ب (الْآفِلِينَ) بصيغة جمع الذكور العقلاء المختصّ بالعقلاء بناء على اعتقاد قومه أنّ الكواكب عاقلة متصرّفة في الأكوان ، ولا يكون الموجود معبودا إلّا وهو عالم.
ووجه الاستدلال بالأقوال على عدم استحقاق الإلهية أنّ الأفول مغيب وابتعاد عن الناس ، وشأن الإله أن يكون دائم المراقبة لتدبير عباده فلمّا أفل النجم كان في حالة أفوله محجوبا عن الاطّلاع على النّاس ، وقد بنى هذا الاستدلال على ما هو شائع عند القوم من كون أفول النجم مغيبا عن هذا العالم ، يعني أنّ ما يغيب لا يستحقّ أن يتّخذ إلها لأنّه لا يغني عن عباده فيما يحتاجونه حين مغيبه. وليس الاستدلال منظورا فيه إلى التغيّر لأنّ قومه لم يكونوا يعلمون الملازمة بين التغيّر وانتفاء صفة الإلهية ، ولأنّ الأفول ليس بتغيّر في ذات الكوكب بل هو عرض للأبصار المشاهدة له ، أمّا الكوكب فهو باق في فلكه ونظامه يغيب ويعود إلى الظهور وقوم إبراهيم يعلمون ذلك فلا يكون ذلك مقنعا لهم.
ولأجل هذا احتجّ بحالة الأفول دون حالة البزوغ فإنّ البزوغ وإن كان طرأ بعد أفول لكن الأفول السابق غير مشاهد لهم فكان الأفول أخصر في الاحتجاج من أن يقول : إنّ هذا البازغ كان من قبل آفلا.
وقوله : (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً) إلخ عطف على جملة محذوفة دلّ عليها الكلام. والتقدير : فطلع القمر فلما رآه بازغا ، فحذفت الجملة للإيجاز وهو يقتضي أنّ القمر طلع بعد أفول الكوكب ، ولعلّه اختار لمحاجّة قومه الوقت الذي يغرب فيه الكوكب ويطلع القمر