بقرب ذلك ، وأنّه كان آخر اللّيل ليعقبهما طلوع الشمس. وأظهر اسم (الْقَمَرَ) لأنّه حذف معاد الضمير. والبازغ : الشارق في ابتداء شروقه ، والبزوغ ابتداء الشروق.
وقوله (هذا رَبِّي) أفاد بتعريف الجزأين أنّه أكثر ضوءا من الكوكب فإذا كان استحقاق الإلهية بسبب النّور فالذي هو أشدّ نورا أولى بها من الأضعف. واسم الإشارة مستعمل في معناه الكنائي خاصّة وهو كون المشار إليه مطلوبا مبحوثا عنه كما تقدّم آنفا.
وقوله : (فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) قصد به تنبيه قومه للنظر في معرفة الربّ الحقّ وأنّه واحد ، وأنّ الكوكب والقمر كليهما لا يستحقّان ذلك مع أنّه عرّض في كلامه بأنّ له ربّا يهديه وهم لا ينكرون عليه ذلك لأنّهم قائلون بعدّة أرباب. وفي هذا تهيئة لنفوس قومه لما عزم عليه من التصريح بأنّ له ربّا غير الكواكب. ثم عرّض بقومه أنّهم ضالّون وهيّأهم قبل المصارحة للعلم بأنّهم ضالّون ، لأنّ قوله : (لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) يدخل على نفوسهم الشكّ في معتقدهم أن يكون ضلالا ، ولأجل هذا التعريض لم يقل : لأكوننّ ضالّا ، وقال (لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) ليشير إلى أنّ في النّاس قوما ضالّين ، يعني قومه.
وإنّما تريّث إلى أفول القمر فاستدلّ به على انتفاء إلهيته ولم ينفها عنه بمجرّد رؤيته بازغا مع أنّ أفوله محقّق بحسب المعتاد لأنّه أراد أن يقيم الاستدلال على أساس المشاهدة على ما هو المعروف في العقول لأنّ المشاهدة أقوى.
وقوله : (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً) أي في الصباح بعد أن أفل القمر ، وذلك في إحدى الليالي التي يغرب فيها القمر قبيل طلوع الشمس لأنّ الظاهر أنّ هذا الاستدلال كلّه وقع في مجلس واحد.
وقوله للشمس (هذا رَبِّي) باسم إشارة المذكّر مع أنّ الشمس تجري مجرى المؤنّث لأنّه اعتبرها ربّا ، فروعي في الإشارة معنى الخبر ، فكأنّه قال : هذا الجرم الذي تدعونه الشمس تبيّن أنّه هو ربّي. وجملة (هذا رَبِّي) جارية مجرى العلّة لجملة (هذا رَبِّي) المقتضية نقض ربوبية الكوكب والقمر وحصر الرّبوبيّة في الشمس ونفيها عن الكوكب والقمر ، ولذلك حذف المفضّل عليه لظهوره ، أي هو أكبر منهما ، يعني أن الأكبر الأكثر إضاءة أولى باستحقاق الإلهية.
وقوله : (قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) ، إقناع لهم بأن لا يحاولوا موافقته