آمنوا إلخ ، ولأنّه لو كان من قول قومه لما استمرّ بهم الضلال والمكابرة إلى حدّ أن ألقوا إبراهيم في النّار.
وحذف متعلّق فعل (آمَنُوا) لظهوره من الكلام السابق. والتقدير : الذين آمنوا بالله.
وحقيقة (يَلْبِسُوا) يخلطوا ، وهو هنا مجاز في العمل بشيئين متشابهين في وقت واحد. شبّه بخلط الأجسام كما في قوله : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ) [البقرة : ٤٢]. والظّلم : الاعتداء على حقّ صاحب حقّ ، والمراد به هنا إشراك غير الله مع الله في اعتقاد الإلهية وفي العبادة ، قال تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] لأنّه أكبر الاعتداء ، إذ هو اعتداء على المستحقّ المطلق العظيم ، لأنّ من حقّه أن يفرد بالعبادة اعتقادا وعملا وقولا لأنّ ذلك حقّه على مخلوقاته. ففي الحديث «حقّ العباد على الله أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا». وقد ورد تفسير الظلم في هذه الآية بالشرك. في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود «لمّا نزلت (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) شقّ ذلك على المسلمين وقالوا : أيّنا لم يظلم نفسه. فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ليس كما تظنّون إنّما هو كما قال لقمان لابنه : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)» [لقمان : ١٣] ا ه. وذلك أنّ الشرك جمع بين الاعتراف لله بالإلهية والاعتراف لغيره بالربوبيّة أيضا. ولمّا كان الاعتراف لغيره ظلما كان إيمانهم بالله مخلوطا بظلم وهو إيمانهم بغيره ، وحمله على هذا المعنى هو الملائم لاستعارة اسم الخلط لهذا المعنى لأنّ الإيمان بالله وإشراك غيره في ذلك كلاهما من جنس واحد وهو اعتقاد الربوبيّة فهما متماثلان ، وذلك أظهر في وجه الشبه ، لأنّ شأن الأجسام المتماثلة أن يكون اختلاطها أشدّ فإنّ التّشابه أقوى أحوال التّشبيه عند أهل البيان. والمعنى الذين آمنوا بالله ولم يشركوا به غيره في العبادة.
وحمل الزمخشري الظلم على ما يشمل المعاصي ، لأنّ المعصية ظلم للنّفس كما في قوله تعالى : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة : ٣٦] تأويلا للآية على أصول الاعتزال لأنّ العاصي غير آمن من الخلود في النّار فهو مساو للكافر في ذلك عندهم ، مع أنّه جعل قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا) إلى آخره من كلام إبراهيم ، وهو إن كان محكيّا من كلام إبراهيم لا يصحّ تفسير الظلم منه بالمعصية إذ لم يكن إبراهيم حينئذ داعيا إلّا للتّوحيد ولم تكن له بعد شريعة ، وإن كان غير محكي من كلامه فلا يناسب تفسيره فيه بالمعصية ، لأنّ تعقيب كلام إبراهيم به مقصود منه تأييد قوله وتبيينه ، فالحقّ أنّ الآية غير محتاجة للتّأويل