غمرات.
و (في) للظرفيّة المجازيّة للدّلالة على شدّة ملابسة الغمرات لهم حتّى كأنّها ظرف يحويهم ويحيط بهم. فالموت على هذا الوجه مستعمل في معناه الحقيقي وغمراته هي آلام النّزع.
وتكون جملة : (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) حكاية قول الملائكة لهم عند قبض أرواحهم. فيكون إطلاق الغمرات مجازا مفردا ويكون الموت حقيقة. ومعنى بسط اليد تمثيلا للشدّة في انتزاع أرواحهم ولا بسط ولا أيدي. والأنفس بمعنى الأرواح ، أي أخرجوا أرواحكم من أجسادكم ، أي هاتوا أرواحكم ، والأمر للإهانة والإرهاق إغلاظا في قبض أرواحهم ولا يتركون لهم راحة ولا يعاملونهم بلين ، وفيه إشارة إلى أنّهم يجزعون فلا يلفظون أرواحهم وهو على هذا الوجه وعيد بالآلام عند النّزع جزاء في الدّنيا على شركهم ، وقد كان المشركون في شكّ من البعث فتوعّدوا بما لا شكّ فيه ، وهو حال قبض الأرواح بأنّ الله يسلّط عليهم ملائكة تقبض أرواحهم بشدّة وعنف وتذيقهم عذابا في ذلك. وذلك الوعيد يقع في نفوسهم موقعا عظيما لأنّهم كانوا يخافون شدائد النّزع وهو كقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) [الأنفال : ٥٠] الآية ، وقول (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) على هذا صادر من الملائكة.
ويجوز أن يكون هذا وعيدا بما يلاقيه المشركون من شدائد العذاب يوم القيامة لمناسبة قوله بعد (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) [الأنعام : ٩٤] ؛ فغمرات الموت تمثيل لحالهم يوم الحشر في منازعة الشّدائد وأهوال القيامة بحال منهم في غمرات الموت وشدائد النّزع فالموت تمثيل وليس بحقيقة. والمقصود من التّمثيل تقريب الحالة وإلّا فإنّ أهوالهم يومئذ أشدّ من غمرات الموت ولكن لا يوجد في المتعارف ما هو أقصى من هذا التّمثيل دلالة على هول الألم. وهذا كما يقال : وجدت ألم الموت ، وقول أبي قتادة في وقعة حنين : «فضمّني ضمّة وجدت منها ريح الموت» ، وقول الحارث بن هشام المخزومي :
وشممت ريح الموت من تلقائهم |
|
في مأزق والخيل لم تتبدّد |
وجملة : (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) حال ، أي والملائكة مادّون أيديهم إلى المشركين ليقبضوا عليهم ويدفعوهم إلى الحساب على الوجه الثّاني ، أو ليقبضوا أرواحهم على الوجه الأوّل ، فيكون بسط الأيدي حقيقة بأن تتشكّل الملائكة لهم في أشكال في صورة الآدميين. ويجوز أن يكون بسط الأيدي كناية عن المسّ والإيلام ، كقوله : (لَئِنْ