بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي) [المائدة : ٢٨].
وجملة : (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) مقول لقول محذوف. وحذف القول في مثله شائع ، والقول على هذا من جانب الله تعالى. والتّقدير : نقول لهم : أخرجوا أنفسكم والأنفس بمعنى الذوات. والأمر للتعجيز ، أي أخرجوا أنفسكم من هذا العذاب إن استطعتم ، والإخراج مجاز في الإنقاذ والإنجاء لأنّ هذا الحال قبل دخولهم النّار. ويجوز إبقاء الإخراج على حقيقته إن كان هذا الحال واقعا في حين دخولهم النّار.
والتّعريف في (الْيَوْمَ) للعهد وهو يوم القيامة الّذي فيه هذا القول ، وإطلاق اليوم عليه مشهور ، فإن حمل الغمرات على النّزع عند الموت فاليوم مستعمل في الوقت ، أي وقت قبض أرواحهم.
وجملة : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ) إلخ استئناف وعيد ، فصلت للاستقلال والاهتمام ، وهي من قول الملائكة. و (تُجْزَوْنَ) تعطون جزاء ، والجزاء هو عوض العمل وما يقابل به من أجر أو عقوبة. قال تعالى : (جَزاءً وِفاقاً) [النبأ : ٢٦] ، وفي المثل : المرء مجزيّ بما صنع إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ. يقال : جزاه يجزيه فهو جاز. وهو يتعدّى بنفسه إلى الشّيء المعطى جزاء ، ويتعدّى بالباء إلى الشّيء المكافأ عنه ، كما في هذه الآية. ولذلك كانت الباء في قوله تعالى في سورة يونس [٢٧] (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) متأوّلا على معنى الإضافة البيانيّة. أي جزاء هو سيّئة ، وأنّ مجرور الباء هو السيّئة المجزى عنها ، كما اختاره ابن جني. وقال الأخفش : الباء فيه زائدة لقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠]. ويقال : جازى بصيغة المفاعلة. قال الرّاغب : ولم يجيء في القرآن : جازى.
والهون : الهوان ، وهو الذّلّ. وفسّره الزّجاج بالهوان الشّديد ، وتبعه صاحب «الكشاف» ، ولم يقله غيرهما من علماء اللّغة. وكلام أهل اللّغة يقتضي أنّ الهون مرادف الهوان ، وقد قرأ ابن مسعود اليوم تجزون عذاب الهوان. وإضافة العذاب إلى الهون لإفادة ما تقتضيه الإضافة من معنى الاختصاص والملك ، أي العذاب المتمكّن في الهون الملازم له.
والباء في قوله : (بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ) باء العوض لتعدية فعل (تُجْزَوْنَ) إلى المجزي عنه. ويجوز جعل الباء للسببيّة ، أي تجزون عذاب الهون بسبب قولكم ، ويعلم أنّ الجزاء على ذلك ، و (ما) مصدريّة. ثمّ إن كان هذا القول صادرا من جانب الله تعالى فذكر اسم