وبني فعل (أُمِرْتُ) للمفعول ، لأنّ فاعل هذا الأمر معلوم بما تكرّر من إسناد الوحي إلى الله.
ومعنى (أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) أنّه أول من يتّصف بالإسلام الذي بعثه الله به ، فهو الإسلام الخاصّ الذي جاء به القرآن ، وهو زائد على ما آمن به الرسل من قبل ، بما فيه من وضوح البيان والسماحة ، فلا ينافي أنّ بعض الرسل وصفوا بأنّهم مسلمون ، كما في قوله تعالى : حكاية عن إبراهيم ويعقوب (يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). وقد تقدّم بيان ذلك عند ذكر تلك الآية في سورة البقرة [١٣٢].
ويجوز أن يكون المراد أول من أسلم ممّن دعوا إلى الإسلام. ويجوز أن يكون الأول كناية عن الأقوى والأمكن في الإسلام ، لأنّ الأول في كلّ عمل هو الأحرص عليه والأعلق به ، فالأوليّة تستلزم الحرص والقوة في العمل ، كما حكى الله تعالى عن موسى قوله : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) [الأعراف : ١٤٣]. فإنّ كونه أوّلهم معلوم وإنّما أراد : أنّي الآن بعد الصعقة أقوى الناس إيمانا. وفي الحديث : «نحن الآخرون الأولون يوم القيامة». وقد تقدّم شيء من هذا عند قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) في سورة البقرة [٤١].
والمقصود من هذا على جميع الوجوه تأييس المشركين من عوده إلى دينهم لأنّهم ربّما كانوا إذا رأوا منه رحمة بهم ولينا في القول طمعوا في رجوعه إلى دينهم وقالوا إنّه دين آبائه.
وقوله : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) عطف على قوله : (قُلْ) ، أي قل لهم ذلك لييأسوا. والكلام نهي من الله لرسوله مقصود منه تأكيد الأمر بالإسلام ، لأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه ، فذكر النهي عن الضدّ بعد ذلك تأكيد له ، وهذا التأكيد لتقطع جرثومة الشرك من هذا الدين.
و (مَنْ) تبعيضية ، فمعنى (مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي من جملة الذين يشركون ، ويحتمل أنّ النهي عن الانتماء إلى المشركين ، أي هو أمر بالبراءة منهم فتكون (مَنْ) اتّصالية ويكون (الْمُشْرِكِينَ) بالمعنى اللقبي ، أي الذي اشتهروا بهذا الاسم ، أي لا يكن منك شيء فيه صلة بالمشركين ، كقول النّابغة :
فإنّي لست منك ولست منّي
والتأييس على هذا الوجه أشدّ وأقوى.