والمقصود من حشر أصنامهم معهم أن تظهر مذلّة الأصنام وعدم جدواها كما يحشر الغالب أسرى قبيلة ومعهم من كانوا ينتصرون به ، لأنّهم لو كانوا غائبين لظنّوا أنّهم لو حصروا لشفعوا ، أو أنّهم شغلوا عنهم بما هم فيه من الجلالة والنعيم ، فإنّ الأسرى كانوا قد يأملون حضور شفائعهم أو من يفاديهم. قال النابغة :
يأملن رحلة نصر وابن سيّار
وعطف (نَقُولُ) ب (ثُمَ) لأنّ القول متأخّر عن زمن حشرهم بمهلة لأنّ حصّة انتظار المجرم ما سيحلّ به أشدّ عليه ، ولأنّ في إهمال الاشتغال بهم تحقيرا لهم. وتفيد (ثُمَ) مع ذلك الترتيب الرتبي.
وصرّح ب (لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) لأنّهم بعض ما شمله الضمير ، أي ثم نقول للذين أشركوا من بين ذلك الجمع.
وأصل السؤال ب (أَيْنَ) أنّه استفهام عن المكان الذي يحلّ فيه المسند إليه ، نحو : أين بيتك ، وأين تذهبون. وقد يسأل بها عن الشيء الذي لا مكان له ، فيراد الاستفهام عن سبب عدمه ، كقول أبي سعيد الخدري لمروان بن الحكم حين خرج يوم العيد فقصد المنبر قبل الصلاة أين تقديم الصلاة. وقد يسأل بأين عن عمل أحد كان مرجوّا منه ، فإذا حضر وقته ولم يحصل منه يسأل عنه بأين ، كأنّ السائل يبحث عن مكانه تنزيلا له منزلة الغائب المجهول مكانه ؛ فالسؤال بأين هنا عن الشركاء المزعومين وهم حاضرون كما دلّت عليه آيات أخرى. قال تعالى : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [الصافات : ٢٢].
والاستفهام توبيخي عمّا كان المشركون يزعمونه من أنّها تشفع لهم عند الله ، أو أنّها تنصرهم عند الحاجة ، فلمّا رأوها لا غناء لها قيل لهم : أين شركاؤكم ، أي أين عملهم فكأنّهم غيّب عنهم.
وأضيف الشركاء إلى ضمير المخاطبين إضافة اختصاص لأنّهم الذين زعموا لهم الشركة مع الله في الإلهية فلم يكونوا شركاء إلّا في اعتقاد المشركين ، فلذلك قيل (شُرَكاؤُكُمُ). هذا كقول أحد أبطال العرب لعمرو بن معد يكرب لمّا حدّث عمرو في جمع أنّه قتله ، وكان هو حاضرا في ذلك الجمع ، فقال له : «مهلا أبا ثور قتيلك يسمع» ، أي المزعوم أنّه قتيلك.