ووصفوا ب (الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) تكذيبا لهم ؛ وحذف المفعول الثاني ل (تَزْعُمُونَ) ليعمّ كلّ ما كانوا يزعمونه لهم من الإلهية والنصر والشفاعة ؛ أمّا المفعول الأول فحذف على طريقة حذف عائد الصلة المنصوب.
والزعم : ظنّ يميل إلى الكذب أو الخطأ أو لغرابته يتّهم صاحبه ، فيقال : زعم ، بمعنى أنّ عهدة الخبر عليه لا على الناقل ، وتقدّم عند قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ) الآية في سورة النساء [٦٠]. وتأتي زيادة بيان لمعنى الزعم عند قوله تعالى : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) في سورة التغابن [٧].
وقوله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) عطف على جملة (ثُمَّ نَقُولُ) و (ثم) للترتيب الرتبي وهو الانتقال من خبر إلى خبر أعظم منه.
والفتنة أصلها الاختبار ، من قولهم : فتن الذهب إذا اختبر خلوصه من الغلث. وتطلق على اضطراب الرأي من حصول خوف لا يصبر على مثله ، لأنّ مثل ذلك يدلّ على مقدار ثبات من يناله ، فقد يكون ذلك في حالة العيش ؛ وقد يكون في البغض والحبّ ؛ وقد يكون في الاعتقاد والتفكير وارتباك الأمور. وقد تقدّم الكلام عليها عند قوله تعالى : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) في سورة البقرة [١٠٢].
و (فِتْنَتُهُمْ) هنا استثني منها (أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) ، فذلك القول إمّا أن يكون من نوع ما استثني هو منه المحذوف في تفريغ الاستثناء ، فيكون المستثنى منه من الأقوال الموصوفة بأنّها فتنة. فالتقدير : لم يكن لهم قول هو فتنة لهم إلّا قولهم (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ).
وإمّا أن يكون القول المستثنى دالا على فتنتهم ، أي على أنّهم في فتنة حين قالوه. وأيّا ما كان فقولهم : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) متضمّن أنّهم مفتونون حينئذ.
وعلى ذلك تحتمل الفتنة أن تكون بمعنى اضطراب الرأي والحيرة في الأمر ، ويكون في الكلام إيجاز. والتقدير : فافتتنوا في ما ذا يجيبون ، فكان جوابهم أن قالوا : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) فعدل عن المقدّر إلى هذا التركيب لأنّه قد علم أنّ جوابهم ذلك هو فتنتهم لأنّه أثرها ومظهرها.
ويحتمل أن يراد بالفتنة جوابهم الكاذب لأنّه يفضي إلى فتنة صاحبه ، أي تجريب حالة نفسه.