ويحتمل أن تكون أطلقت على معناها الأصلي وهو الاختبار. والمراد به السؤال لأنّ السؤال اختبار عمّا عند المسئول من العلم ، أو من الصدق وضدّه ، ويتعيّن حينئذ تقدير مضاف ، أي لم يكن جواب فتنتهم ، أي سؤالهم عن حال إشراكهم إلّا أن قالوا : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ).
وقرأ الجمهور (لَمْ تَكُنْ) ـ بتاء تأنيث حرف المضارعة ـ. وقرأه حمزة ، والكسائي ، ويعقوب ـ بياء المضارعة للغائبة ـ باعتبار أنّ (قالُوا) هو اسم (كان). وقرأ الجمهور (فِتْنَتُهُمْ) ـ بالنصب ـ على أنّه خبر (كان) ، فتكون (كان) ناقصة واسمها (إِلَّا أَنْ قالُوا) وإنّما أخّر عن الخبر لأنّه محصور.
وقرأه ابن كثير ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم ـ بالرفع ـ على أنّه اسم (كان) و (أَنْ قالُوا) خبر (كان) ، فتجعل (كان) تامّة. والمعنى لم توجد فتنة لهم إلّا قولهم : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) ، أي لم تقع فتنتهم إلّا أن نفوا أنّهم أشركوا.
ووجه اتّصال الفعل بعلامة مضارعة للمؤنّث على قراءة نصب (فِتْنَتُهُمْ) هو أنّ فاعله مؤنّث تقديرا ، لأنّ القول المنسبك من (أن) وصلتها من جملة الفتنة على أحد التأويلين. قال أبو علي الفارسي : وذلك نظير التأنيث في اسم العدد في قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠] ، لأنّ الأمثال لمّا كانت في معنى الحسنات أنّث اسم عددها.
وقرأ الجمهور (رَبِّنا) ـ بالجرّ ـ على الصفة لاسم الجلالة. وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف ـ بالنصب ـ على النداء بحذف حرفه.
وذكرهم الربّ بالإضافة إلى ضميرهم مبالغة في التنصّل من الشرك ، أي لا ربّ لنا غيره. وقد كذّبوا وحلفوا على الكذب جريا على سننهم الذي كانوا عليه في الحياة ، لأنّ المرء يحشر على ما عاش عليه ، ولأنّ الحيرة والدهش الذي أصابهم خيّل إليهم أنّهم يموّهون على الله تعالى فيتخلّصون من العقاب. ولا مانع من صدور الكذب مع ظهور الحقيقة يومئذ ، لأنّ الحقائق تظهر لهم وهم يحسبون أنّ غيرهم لا تظهر له ، ولأنّ هذا إخبار منهم عن أمر غائب عن ذلك اليوم فإنّهم أخبروا عن أمورهم في الدنيا.
وفي «صحيح البخاري» : أنّ رجلا قال لابن عباس : إنّي أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ ، فذكر منها قوله : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) [النساء : ٤٢] وقوله : (وَاللهِ رَبِّنا ما