فعل القسم ، و (الَّذِي يَقُولُونَ) فاعله ، واللام في (لَيَحْزُنُكَ) لام الابتداء ، وجملة (لَيَحْزُنُكَ) خبر إنّ ، وضمائر الغيبة راجعة إلى (الَّذِينَ كَفَرُوا) في قوله (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ).
والفاء في قوله : (فَإِنَّهُمْ) يجوز أن تكون للتعليل ، والمعلّل محذوف دلّ عليه قوله : (قَدْ نَعْلَمُ) ، أي فلا تحزن فإنّهم لا يكذبونك ، أي لأنّهم لا يكذبونك. ويجوز كونها للفصيحة ، والتقدير : فإن كان يحزنك ذلك لأجل التكذيب فإنّهم لا يكذبونك ، فالله قد سلّى رسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ بأن أخبره بأنّ المشركين لا يكذبونه ولكنّهم أهل جحود ومكابرة. وكفى بذلك تسلية. ويجوز أن تكون للتفريع على (قَدْ نَعْلَمُ) ، أي فعلمنا بذلك يتفرّع عليه أنّا نثبّت فؤادك ونشرح صدرك بإعلامك أنّهم لا يكذبونك ، وإن نذكّرك بسنة الرسل من قبلك ، ونذكّرك بأنّ العاقبة هي نصرك كما سبق في علم الله.
وقرأ نافع ، والكسائي ، وأبو جعفر (لا يُكَذِّبُونَكَ) ، ـ بسكون الكاف وتخفيف الذال ـ. وقرأه الجمهور ـ بفتح الكاف وتشديد الذال ـ. وقد قال بعض أئمة اللغة إنّ أكذب وكذّب بمعنى واحد ، أي نسبه إلى الكذب. وقال بعضهم : أكذبه ، وجده كاذبا ، كما يقال : أحمده ، وجده محمودا. وأمّا كذّب ـ بالتشديد ـ فهو لنسبة المفعول إلى الكذب. وعن الكسائي : أنّ أكذبه هو بمعنى كذّب ما جاء به ولم ينسب المفعول إلى الكذب ، وأنّ كذّبه هو نسبه إلى الكذب. وهو معنى ما نقل عن الزجّاج معنى كذبته ، قلت له : كذبت ، ومعنى أكذبته ، أريته أنّ ما أتى به كذب.
وقوله : (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) استدراك لدفع أن يتوهّم من قوله : (لا يُكَذِّبُونَكَ) على قراءة نافع ومن وافقه أنّهم صدّقوا وآمنوا ، وعلى قراءة البقية (لا يُكَذِّبُونَكَ) أنّهم لم يصدر منهم أصل التكذيب مع أنّ الواقع خلاف ذلك ، فاستدرك عليه بأنّهم يجحدون بآيات الله فيظهر حالهم كحال من ينسب الآتي بالآيات إلى الكذب وما هم بمكذّبين في نفوسهم.
والجحد والجحود ، الإنكار للأمر المعروف ، أي الإنكار مع العلم بوقوع ما ينكر ، فهو نفي ما يعلم النافي ثبوته ، فهو إنكار مكابرة.
وعدل عن الإضمار إلى قوله (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ) ذمّا لهم وإعلاما بأنّ شأن الظالم الجحد بالحجّة ، وتسجيلا عليهم بأنّ الظلم سجيّتهم.