ترتّب المسبّبات على أسبابها شبيه بخطاب الوضع ، وليس في ذلك ثواب ولا عقاب لانتفاء التكليف ثم تصير الدواب يومئذ ترابا ، كما ورد في رواية عن أبي هريرة في قوله تعالى : (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [النبأ : ٤٠]. قال المازري في المعلم : واضطرب العلماء في بعث البهائم. وأقوى ما تعلّق به من يقول ببعثها قوله تعالى : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ). وقد قيل : إنّ هذا كلّه تمثيل للعدل. ونسبه المازري إلى بعض شيوخه قال : هو ضرب مثل إعلاما للخلق بأن لا يبقى حقّ عند أحد.
والدابّة مشتقّة من دبّ إذا مشى على الأرض ، وهي اسم لكلّ ما يدبّ على الأرض. وقوله : (فِي الْأَرْضِ) صفة قصد منها إفادة التعميم والشمول بذكر اسم المكان الذي يحوي جميع الدوابّ وهو الأرض ، وكذلك وصف (طائِرٍ) بقوله (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) قصد به الشمول والإحاطة ، لأنّه وصف آيل إلى معنى التوكيد ، لأنّ مفاد (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) أنّه طائر ، كأنّه قيل : ولا طائر ولا طائر. والتوكيد هنا يؤكّد معنى الشمول الذي دلّت عليه (من) الزائدة في سياق النفي ؛ فحصل من هذين الوصفين تقرير معنى الشمول الحاصل من نفي اسمي الجنسين. ونكتة التوكيد أنّ الخبر لغرابته عندهم وكونه مظنّة إنكارهم أنّه حقيق بأن يؤكّد.
ووقع في «المفتاح» في بحث اتباع المسند إليه بالبيان أنّ هذين الوصفين في هذه الآية للدلالة على أنّ القصد من اللفظين الجنس لا بعض الأفراد وهو غير ما في «الكشاف» ، وكيف يتوهّم أنّ المقصود بعض الأفراد ووجود (من) في النفي نصّ على نفي الجنس دون الوحدة.
وبهذا تعلم أن ليس وصف (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) واردا لرفع احتمال المجاز في (طائِرٍ) كما جنح إليه كثير من المفسّرين وإن كان رفع احتمال المجاز من جملة نكت التوكيد اللفظي إلّا أنّه غير مطّرد ، ولأنّ اعتبار تأكيد العموم أولى ، بخلاف نحو قولهم :
نظرته بعيني وسمعته بأذني. وقول صخر :
شر واتّخذت من شعر صدارها
إذ من المعلوم أنّ الصّدار لا يكون إلّا من شعر.
و (أُمَمٌ) جمع أمّة. والأمّة أصلها الجماعة من الناس المتماثلة في صفات ذاتية من نسب أو لغة أو عادة أو جنس أو نوع. قيل : سمّيت أمة لأنّ أفرادها تؤمّ أمما واحدا وهو