فجملة : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) عطف على جملة : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ) [الأنعام : ٤٠] ، والواو لعطف الجمل ، فتكون استئنافية إذ كانت المعطوف عليها استئنافا. وافتتحت هذه الجملة بلام القسم و (قد) لتوكيد مضمون الجملة ، وهو المفرّع بالفاء في قوله : (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ). نزّل السامعون المعرّض بإنذارهم منزلة من ينكرون أن يكون ما أصاب الأمم الذين من قبلهم عقابا من الله تعالى على إعراضهم.
وقوله : (فَأَخَذْناهُمْ) عطف على (أَرْسَلْنا) باعتبار ما يؤذن به وصف (مِنْ قَبْلِكَ) من معاملة أممهم إيّاهم بمثل ما عاملك به قومك ، فيدلّ العطف على محذوف تقديره : فكذّبوهم.
ولمّا كان أخذهم بالبأساء والضرّاء مقارنا لزمن وجود رسلهم بين ظهرانيهم كان الموقع لفاء العطف للإشارة إلى أنّ ذلك كان بمرأى رسلهم وقبل انقراضهم ليكون إشارة إلى أنّ الله أيّد رسله ونصرهم في حياتهم ؛ لأنّ أخذ الأمم بالعقاب فيه حكمتان : إحداهما : زجرهم عن التكذيب ، والثانية : إكرام الرسل بالتأييد بمرأى من المكذّبين. وفيه تكرمة للنبيصلىاللهعليهوسلم بإيذانه بأنّ الله ناصره على مكذّبيه.
ومعنى (فَأَخَذْناهُمْ) أصبناهم إصابة تمكّن. وتقدّم تفسير الأخذ عند قوله تعالى : (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) في سورة البقرة [٢٠٦].
وقد ذكر متعلّق الأخذ هنا لأنّه أخذ بشيء خاصّ بخلاف الآتي بعيد هذا.
والبأساء والضرّاء تقدّما عند قوله تعالى : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) في سورة البقرة [١٧٧]. وقد فسّر البأساء بالجوع والضرّاء بالمرض ، وهو تخصيص لا وجه له ، لأنّ ما أصاب الأمم من العذاب كان أصنافا كثيرة. ولعلّ من فسّره بذلك اعتبر ما أصاب قريشا بدعوة النبي صلىاللهعليهوسلم.
و (لعلّ) للترجّي. جعل علّة لابتداء أخذهم بالبأساء والضرّاء قبل الاستئصال.
ومعنى (يَتَضَرَّعُونَ) يتذلّلون لأنّ الضراعة التذلّل والتخشّع ، وهو هنا كناية عن الاعتراف بالذنب والتوبة منه ، وهي الإيمان بالرسل.
والمراد : أنّ الله قدّم لهم عذابا هيّنا قبل العذاب الأكبر ، كما قال : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [السجدة : ٢١] وهذا من فرط رحمته الممازجة لمقتضى حكمته ؛ وفيه إنذار لقريش بأنّهم سيصيبهم البأساء والضرّاء قبل