٣ ـ ومكانهم هو النار الشديدة الحر ، ومشروبهم هو (مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) أي من ينبوع ماء متناه في الحرارة ، ومطعومهم الضريع الذي لا يسمن آكله ، ولا يدفع الجوع عنه. جاء في الخبر عن ابن عباس : (الضريع : شيء يكون في النار يشبه الشّوك ، أمرّ من الصبر ، وأنتن من الجيفة ، وأشد حرّا من النار) (١).
وقال العلماء : إن للنار دركات ، وأهلها على طبقات ؛ فمنهم من طعامه الزّقوم ، ومنهم من طعامه غسلين ، ومنهم من طعامه ضريع ، ومنهم من شرابه الحميم ، ومنهم من شرابه الصّديد : (لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) [الحجر ١٥ / ٤٤]. ووجود النبت في النار ليس ببدع من قدرة الله ، كوجود بدن الإنسان والعقارب والحيات فيها.
قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) قال المشركون على سبيل التعنت : إن إبلنا لتسمن بالضّريع ، فنزلت : (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) أي ليس فيه منفعة الغذاء ، ولا الاسمان ودفع الجوع.
وهذا دليل على أن طعامهم ليس من جنس طعام الإنس ، ولكن من جنس الشوك الذي ترعاه الإبل ما دام رطبا ، فإذا يبس ، نفرت عنه ؛ لأنه سم قاتل. ودليل أيضا على تكذيب الله لهم في قولهم : «يسمن الضريع».
والخلاصة : أن وصف أحوال النار على النحو المذكور يستدعي الفرار منه ، وإبعاد النفس عن موجبات هذا العذاب ، من العقيدة الفاسدة ، والعمل الخاسر ، ولا عقيدة صحيحة إلا بتوحيد الله والإيمان بالقرآن والرسول محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولا عمل مقبول إلا على وفق ما جاء به الإسلام. ولا أقول هذا لأني مسلم ، وإنما هذا الذي صح دليله.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٢٠ / ٣٠