قال الرازي : فيه دليل على أن قبول التوبة على الله لا يجب عقلا. والواقع أن الآية ليست في هذا الجانب ، لأنه لا يلزم من عدم قبول التوبة في الآخرة عدم قبولها في دار التكليف في الدنيا ، كإيمان اليأس.
(فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ ، وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) هذا جواب الشرط السابق في (إِذا دُكَّتِ ..) أي فيومئذ لا يتولى أحد تعذيب العصاة وحسابهم وجزاءهم ووثاقهم ، ولا يعذب أحد مثل عذاب الله ، ولا يوثق أحد الكافر بالسلاسل والأغلال كوثاق الله.
وفي هذا ترغيب بالعمل الصالح والإيمان ، وترهيب من الكفر والعصيان.
ثم ذكر حال الإنسان المترفع عن أطماعه وملذاته وشهواته في الدنيا وبشارة الأبرار ، فقال : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ، فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) أي يقول الله للمؤمن ، بذاته أو على لسان ملك : يا أيتها النفس الموقنة بالإيمان والحق وتوحيد الله ، التي لا يخالجها شك في صدق عقيدتها ، وقد رضيت بقضاء الله وقدره ، ووقفت عند حدود الشرع ، فتجيء يوم القيامة مطمئنة بذكر الله ، ثابتة لا تتزعزع ، آمنة مؤمنة غير خائفة ، ارجعي إلى ثواب ربك الذي أعطاك. وإلى محل كرامته الذي منحك إياه ، راضية بهذا الثواب عما عملت في الدنيا ، وبما حكم الله ، ومرضية عند الله ، كما قال تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ، وَرَضُوا عَنْهُ) [البيّنة ٩٨ / ٨] وهذه هي صفة أرباب النفوس الكاملة.
فادخلي في زمرة عبادي الصالحين ، وكوني في جملتهم ، وادخلي معهم جنتي ، فتلك هي الكرامة لا كرامة سواها ، جعلنا الله من أهلها ، والظاهر العموم ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب الذي نزلت به الآية.