(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى ، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى ، وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى) أي وأما من بخل بماله ، فلم يبذله في سبل الخير ، واستغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الآخرة ، وزهد في الأجر والثواب وفضل الله ، وكذّب بالجزاء في الدار الآخرة ، فسنهيئه للخصلة العسرى والطريقة الصعبة التي لا تنتج إلا شرا ، حتى تتعسر عليه أسباب الخير والصلاح ، ويضعف عن فعلها ، حتى يصل إلى النار ، ولا يغني عنه شيئا ماله الذي بخل به ، إذا سقط في جهنم. ويلاحظ أن التيسير والبشارة في الأصل على الشيء المفرح والسّاتر ، لكن إذا جمع في الكلام بين خير وشر ، جاء التيسير والبشارة فيهما جميعا.
أخرج البخاري ومسلّم عن علي بن أبي طالب رضياللهعنه قال : كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في بقيع الغرقد في جنازة ، فقال : «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ، ومقعده من النار ، فقالوا : يا رسول الله ، أفلا نتكل؟ فقال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له» ثم قرأ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى ، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى). وهناك أحاديث كثيرة في هذا المعنى (١).
فقه الحياة أو الأحكام :
أقسم الله عزوجل بالليل حينما يغطّي كل شيء بظلامه ، وبالنهار إذا انكشف ووضح وظهر ، وبالذي خلق الذكر والأنثى ؛ فيكون قد أقسم بنفسه عزوجل ، على أن عمل الناس مختلف في الجزاء ، فبعضهم مؤمن وبر ، وكافر وفاجر ، ومطيع وعاص ، وبعضهم في هدى أو في ضلال ، وبعضهم ساع في فكاك نفسه من النار ، وبعضهم بائع نفسه فموبقها في المعاصي ، كما ذكر الثعلبي من قوله صلىاللهعليهوسلم : «الناس غاديان : فبائع نفسه فمعتقها ، أو موبقها».
__________________
(١) انظر تفسير ابن كثير : ٤ / ٥١٨ ـ ٥١٩