ثم أوضح سبحانه معنى اختلاف الأعمال المذكور من العاقبة المحمودة والمذمومة ، والثواب والعقاب ، وذكر فريقين :
الأول ـ من بذل ماله في سبيل الله ، وأعطى حق الله عليه ، واتقى المحارم والمنكرات ، وصدّق بوعد الله بالعوض على عطائه ، فالله يهيئ له الطريق اليسرى السهلة للوصول إلى غايته ، ويرشده لأسباب الخير والصلاح ، حتى يسهل عليه فعلها. جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا».
والثاني ـ من ضنّ بما عنده ، فلم يبذل خيرا ، وكذلك بتعويض الله ، فالله يسهل طريقه للشر ، ويعسّر عليه أسباب الخير والصلاح ، حتى يصعب عليه فعلها.
قال العلماء : ثبت بهذه الآية : (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ ..) وبقوله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة ٢ / ٣] وقوله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) [البقرة ٢ / ٢٧٤] إلى غير ذلك من الآيات أن الجود من مكارم الأخلاق ، والبخل من أرذلها ، والجواد : هو الذي يعطي في موضع العطاء ، والبخيل : هو الذي يمنع في موضع العطاء ، فكل من استفاد بما يعطي أجرا وحمدا ، فهو الجواد ، وكل من استحق ذما أو عقابا ، فهو البخيل ، والمسرف المذموم ، وهو من المبذّرين الذين جعلهم الله إخوان الشياطين ، وأوجب الحجر عليهم (١).
ولا يفيد هذا البخيل ماله إذا مات أو صار في القبر أو سقط في جهنم.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٢٠ / ٨٤ ـ ٨٥