تصل إليه منفعته ، أما طاعة العبد فلا تحقق منفعة لله ، فإذا أتى بما طلبه منه من طاعة أو توبة ، أضافه إلى نفسه بوصف العبودية ، فقال : (أَسْرى بِعَبْدِهِ) [/ الإسراء ١٧ / ١].
وإنما ذكر قوله (الَّذِي خَلَقَ) بعد قوله : (رَبِّكَ) للاستدلال على أنه ربّه ، وهو الذي أوجده ، فصار موجودا بعد أن كان معدوما ، والخلق والإيجاد تربية ، وكذلك جاء بصفة الخالق ، أي المنشئ للعالم ، للإتيان بصفة لا يمكن للأصنام شركة فيها ، فيكون ردّا على العرب التي كانت تسمي الأصنام أربابا.
(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) أي افعل ما أمرت به من القراءة ، وربّك الذي أمرك بالقراءة هو الأكرم من كل كريم ، ومن كرمه : تمكينك من القراءة وأنت أمّي. وإنما كرر كلمة (اقْرَأْ) للتأكيد ، ولأن القراءة لا تتحقق إلا بالتكرار والإعادة. وقوله : (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) لإزاحة المانع ، وإزالة العذر الذي اعتذر به النبي صلىاللهعليهوسلم لجبريل حين طلب منه بقوله : (اقْرَأْ) ، فقال : ما أنا بقارئ.
والأوجه : أن يراد بقوله الأول : (اقْرَأْ) : أوجد القراءة ، وبالثاني : استعن باسم ربّك.
ثم قرن القراءة بالكتابة ، فقال :
(الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) أي علّم الإنسان الكتابة بالقلم ، فهو نعمة عظيمة من الله عزوجل ، وواسطة للتفاهم بين الناس كالتعبير باللسان ولولا الكتابة لزالت العلوم ، ولم يبق أثر لدين ، ولم يصلح عيش ، ولم يستقر نظام ، فالكتابة قيد العلوم والمعارف ، ووسيلة ضبط أخبار الأولين ومقالاتهم ، وأداة انتقال العلوم بين الأمم والشعوب ، فتبقى المعلومات ، ثم يبنى عليها ويزاد إلى ما شاء الله ، فتنمو