الحضارات ، وتسمو الأفكار ، وتحفظ الأديان ، وتنشر الهداية. وجاء في الأثر : «قيدوا العلم بالكتابة» (١).
لهذا بدأت دعوة الإسلام بالترغيب في القراءة والكتابة ، وبيان أنها من آيات الله في خلقه ، ومن رحمته بهم ، وكانت معجزة محمد صلىاللهعليهوسلم الخالدة ، وهو العربي الأميّ ، قرآنا يتلى ، وكتابا يكتب ، وأنه بذلك نقل أمته من حال الأميّة والجهل إلى أفق النور والعلم ، كما قال تعالى ممتنا بذلك : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ ، يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ ، وَيُزَكِّيهِمْ ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ ، وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الجمعة ٦٢ / ٢].
ثم أبان عموم فضله وكثرة نعمه ، فقال :
(عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) أي علّم الله الإنسان بالقلم كثيرا من الأمور ما لم يعلم بها ، فلا عجب أن يعلمك الله أيها النبي القراءة ، وكثيرا من العلوم ، لنفع أمتك. ورد في الأثر : «من عمل بما علم ، ورّثه الله علم ما لم يكن يعلم» (٢).
ثم ردع الإنسان على طغيانه حال الغنى ، فقال :
(كَلَّا ، إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى ، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) أي ارتدع وانزجر أيها الإنسان ، عن كفرك بنعمة الله عليك ، وتجاوزك الحدّ في العصيان ، لأن رأيت نفسك مستغنيا بالمال والقوة والأعوان.
وقيل : المراد بالآية : حقا إن أمر الإنسان عجيب ، يستذل ويضعف حال الفقر ، ويطغى ويتجاوز الحدّ في المعاصي ويتكبّر ويتمرد حتى أحسّ بنفسه القدرة والثروة. وأكثر المفسرين على أن المراد بالإنسان هنا أبو جهل وأمثاله.
__________________
(١) أخرجه الطبراني والحاكم عن عبد الله بن عمرو ، وهو صحيح.
(٢) تفسير ابن كثير : ٤ / ٥٢٨