بمعنى الاستقبال ، كما أن (ما) لا تدخل إلا على مضارع بمعنى الحال ، أي لا أعبد في المستقبل ما تعبدون من الأصنام في الحال.
(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي ولا تعبدون في المستقبل ما أعبد في الحال ، وهو الله تعالى وحده. (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) أي ولست أنا عابد في الحال أو في الماضي ما عبدتم فيما سلف. (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي وما عبدتم في وقت ما أنا عابده ، ويجوز أن تكون الجملتان تأكيدين على طريقة أبلغ. والأدق أن يقال : إن الآيتين (٢ ، ٣) تدلان على الاختلاف في المعبود الذي يعبد ، فالنبي صلىاللهعليهوسلم يعبد الله ، وهم يعبدون الأصنام والأوثان. والآيتان (٤ ، ٥) تدلان على الاختلاف في العبادة نفسها ، فعبادة النبي عليه الصلاة والسلام عبادة خالصة لله لا يشوبها شرك ولا غفلة عن المعبود ، وعبادتهم كلها شرك وإشراك ، فلا يلتقيان.
(لَكُمْ دِينُكُمْ) وهو الشرك الذي أنتم عليه. (وَلِيَ دِينِ) وهو التوحيد أو الإسلام الذي أنا عليه ، لا أرفضه ، قال البيضاوي : فليس فيه إذن في الكفر ، ولا منع عن الجهاد ، ليكون منسوخا بآية القتال. وقال الزمخشري : والمعنى أني نبي مبعوث إليكم لأدعوكم إلى الحق والنجاة ، فإذا لم تقبلوا مني ، ولم تتبعوني فدعوني كفافا ، ولا تدعوني إلى الشرك.
التفسير والبيان :
هذه سورة البراءة من عمل المشركين ، وهي آمرة بالإخلاص في العبادة ، فقال تعالى :
(قُلْ : يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ، لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) أي قل أيها النبي لكفار قريش : يا أيها الكافرون ، لا أعبد على الإطلاق ما تعبدون من الأصنام والأوثان ، فلست أعبد آلهتكم بأية حال. والآية تشمل كل كافر على وجه الأرض. وفائدة كلمة (قُلْ) : أنه صلىاللهعليهوسلم كان مأمورا بالرفق واللين في جميع الأمور ، ومخاطبة الناس بالوجه الأحسن ، فلما كان الخطاب هنا غليظا أراد الله رفع الحرج عنه وبيان أنه مأمور بهذا الكلام ، لا أنه ذكره من عند نفسه.
(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي ولستم أنتم ما دمتم على شرككم وكفركم عابدين الله الذي أعبد ، فهو الله وحده لا شريك له.