وهاتان الآيتان (٢ ، ٣) تدلان على الاختلاف في المعبود ، فالنبي صلىاللهعليهوسلم يعبد الله وحده ، وهم يعبدون الأصنام والأوثان أو الأنداد والشفعاء ، أو أن المعنى دفعا للتكرار كما ذكر الزمخشري : لا أعبد في المستقبل ما تعبدون في الحال ، وعلامته (لا) التي هي للاستقبال ، بدليل أن (لن) للاستقبال على سبيل التوكيد أو التأبيد ، وأصله في رأي الخليل : لا أن. وما : للحال (١) ، وخلاصة المعنى : لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم ، ولا أنتم فاعلون في المستقبل ما أطلب منكم من عبادة إلهي. (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ ، وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي ولا أعبد عبادتكم ، أي لا أسلكها ولا أقتدي بها ، وإنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه ، وأنتم لا تقتدون بأوامر الله وشرعه في عبادته ، بل قد اخترعتم شيئا من تلقاء أنفسكم ، فعبادة الرسول صلىاللهعليهوسلم وأتباعه خالصة لله لا شرك فيها ولا غفلة عن المعبود ، وهم يعبدون الله بما شرعه ، ولهذا كانت كلمة الإسلام : «لا إله إلا الله ، محمد رسول الله» أي لا معبود إلا الله ، ولا طريق إليه في العبادة إلا بما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم.
والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن الله بها ، فكلها شرك وإشراك ، ووسائلها من صنع الهوى والشيطان.
فالآيتان (٤ ، ٥) تدلان على الاختلاف في العبادة نفسها. ويرى بعضهم كالزمخشري : وما كنت قط في الحال أو في الماضي عابدا ما عبدتم ، يعني لم تعهد مني عبادة صنم في الجاهلية ، فكيف ترجى مني في الإسلام؟! وما عبدتم في وقت ما أنا على عبادته.
وقيل : في الآيات تكرار ، والغرض التأكيد ، لقطع أطماع الكفار عن أن يجيبهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى ما سألوه من عبادته آلهتهم.
__________________
(١) قد فهم بعضهم خطا ما أراده الزمخشري هنا وفي الآيتين بعدهما. فقلب الوضع ، وجعل الاستقبال محل الحال وبالعكس.