(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) أي لكم شرككم أو كفركم ، ولي ديني وهو التوحيد والإخلاص أو الإسلام ، فدينكم الذي هو الإشراك ، لكم لا يتجاوزكم إليّ ، وديني الذي هو التوحيد مقصور علي لا يتجاوزني ، فيحصل لكم. وقيل : الدين : الجزاء ، والمضاف محذوف ، أي لكم جزاء دينكم ، ولي جزاء ديني. وقيل : الدين : العبادة.
وليست السورة منسوخة بآية القتال ، والمحققون على أنه لا نسخ ، بل المراد التهديد ، كقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت ٤١ / ٤٠].
ونظير هذه الآية قوله تعالى : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ : لِي عَمَلِي ، وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ، أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ ، وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) [يونس ١٠ / ٤١] وقوله : (لَنا أَعْمالُنا ، وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) [القصص ٢٨ / ٥٥]. والمراد بذلك كله التهديد ، لا الرضا بدين الآخرين.
وقد استدل الإمام أبو عبد الله الشافعي وغيره بهذه الآية الكريمة : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) على أن الكفر كله ملة واحدة ، فورّث اليهود من النصارى وبالعكس إذا كان بينهما نسب أو سبب يتوارث به ؛ لأن الأديان ما عدا الإسلام كلها كالشيء الواحد في البطلان.
وذهب أحمد بن حنبل ومن وافقه إلى عدم توريث النصارى من اليهود وبالعكس ، لحديث أحمد وأبي داود وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يتوارث أهل ملتين شتى».
قال الرازي : جرت عادة الناس بأن يتمثلوا بهذه الآية (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) عند المتاركة ، وذلك غير جائز ؛ لأنه تعالى ما أنزل القرآن ليتمثل به ، بل ليتدبر فيه ، ثم يعمل بموجبه (١).
__________________
(١) تفسير الرازي : ٣٢ / ١٤٨