(الْجِنَّةِ .. وَالنَّاسِ) بينهما طباق.
(يُوَسْوِسُ) و (الْوَسْواسِ) بينهما جناس اشتقاق.
ويلاحظ أن الفواصل منتهية بالسين الذي فيه جرس خافت ومهيب وله وقع في النفوس.
المفردات اللغوية :
(أَعُوذُ) ألتجئ وأحتمي. (بِرَبِّ النَّاسِ) مربّيهم ومعتني بشؤونهم ، قال البيضاوي: لما كانت الاستعاذة في السورة المتقدمة من المضارّ البدنية ، وهي تعمّ الإنسان وغيره ، والاستعاذة في هذه السورة من المضارّ التي تعرض للنفوس البشرية ، وتخصها ، عمم الإضافة ثمة ، وخصصها بالناس هاهنا ، فكأنه قيل : أعوذ من شرّ الموسوس إلى الناس بربّهم الذي يملك أمورهم ، ويستحق عبادتهم.
(مَلِكِ النَّاسِ ، إِلهِ النَّاسِ) صفتان تدلان على أنه تعالى حقيق بالإعاذة ، قادر عليها ، غير ممنوع عنها. (الْوَسْواسِ) الموسوس الذي يلقي في النفوس خواطر الشرّ والسوء. ويصح أن يراد به المصدر أي الوسوسة ، كالزلزال بمعنى الزلزلة. (الْخَنَّاسِ) صيغة مبالغة ، أي من عادته أن يخنس ، أي يتأخر بذكر الله ، والخنوس : الرجوع والتأخر. (مِنَ الْجِنَّةِ) بيان للوسواس ، جمع جني كإنسي وإنس ، والجن : خلق مستتر لا يعلم به أحد إلا الله تعالى.
التفسير والبيان :
(قُلْ : أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، مَلِكِ النَّاسِ ، إِلهِ النَّاسِ) أي قل أيها الرسول : ألجأ وأستعين بالله مربي الناس ومتعهدهم بعنايته ورعايته ، وخالقهم ومدبر أمرهم ومصلح أحوالهم ، وله الملك التام والسلطان القاهر ، وهو الإله المعبود الذي يعبده الناس ، واسم الإله خاص بالله لا يشاركه فيه أحد ، أما الملك فقد يكون إلها وقد لا يكون.
وهذه صفات ثلاث لله عزوجل : الربوبية ، والملك ، والألوهية ، فهو ربّ كل شيء ، ومليكه ، وإلهه ، فجميع الأشياء مخلوقة له ، مملوكة ، عبيد له. وإنما قدم الربوبية لمناسبتها للاستعاذة ، فهي تتضمن نعمة الصون والحماية والرعاية ، ثم ذكر الملكية ؛ لأن المستعيذ لا يجد عونا له ولا غوثا إلا مالكه ، ثم ذكر الألوهية ؛ لبيان أنه المستحق للشكر والعبادة دون سواه.