(فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها ، إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) أي : في أي شيء أنت يا محمد من ذكر القيامة والسؤال عنها؟ أو في أي شيء أنت من ذكر تحديدها ووقتها ، أي لست من ذلك في شيء (١). وهذا تعجب من كثرة ذكره لها ، كأنه قيل : في أيّ شغل واهتمام أنت من ذكرها والسؤال عنها ، حرصا على جوابهم. والمعنى ليس علمها إليك ولا إلى أحد من الخلق ، بل مردها ومرجعها ومنتهى علمها إلى الله عزوجل ، فهو الذي يعلم وقتها على التعيين ، ولا يوجد علمها عند غيره ، فكيف يسألونك عنها ويطلبون منك بيان وقت قيامها؟ وهم يسألونك عنها ، فلحرصك على جوابهم لا تزال تذكرها وتسأل عنها.
ونظير الآية : (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ، يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها ، قُلْ : إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) [الأعراف ٧ / ١٨٧] وقوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) [لقمان ٣١ / ٣٤]. ولهذا لما سأل جبريل عليهالسلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن وقت الساعة قال فيما أخرجه مسلم عن عمر : «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل؟».
(إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) أي إنما بعثتك لتنذر الناس وتحذرهم من بأس الله وعذابه ، وما أنت إلا مخوّف لمن يخشى قيام الساعة ، فمن خشي الله وخاف مقامه ووعيده ، اتّبعك فأفلح ونجا ، ومن كذب بالساعة وخالفك ، خسر وخاب ، فدع علم ما لم تكلف به ، واعمل بما أمرت به من إنذار. وخص الإنذار بأهل الخشية ؛ لأنهم المنتفعون بذلك.
(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) أي إن هذا اليوم الذي يسألون عنه واقع حتما ، وكأنهم فيه ، فإنهم إذا قاموا من قبورهم إلى المحشر ، ورأوا الساعة (القيامة) استقصروا مدة الحياة الدنيا ، ورأوا كأنها ساعة من نهار ، أو عشية من يوم أو ضحى من يوم. والمراد تقليل مدة الدنيا في نفوسهم إذا رأوا
__________________
(١) البحر المحيط : ٨ / ٤٢٤