ومن ألفاظ أهل الأدب في هذا المعنى : ليلة من حسنات الدهر هواؤها صحيح ونسيمها عليل ، ليلة كبرد الشباب وبرد الشراب ، ليلة من ليالي الشباب فضيّة الأديم مسكية النسيم ، ليلة هي لمعة العمر وغرة الدهر.
الفرنج يسمون منبج مينكز وهي باللاتينية ما بيحوم وتعرف قديما باسم مينبه بكسر الميم وفتحها ويره بولس ومارغ وماربوغ. وكلمة يره بولس ذكرت في تاريخ سورية بلفظ هيرابولس وجره بولس ، وهو اسم مدينة كركميش نقل منها بعد خرابها إلى منبج ثم رد إلى الأولى بعد خراب الثانية ومعنى يره بولس المدينة المقدسة.
كانت مدينة منبج من مدن سورية المشهورة وكان فتحها أبو عبيدة بعد أن فتح حلب وأنطاكية أقدم عليها عياضا ثم لحقه إليها وصالح أهلها على مثل صلح أنطاكية.
ذكر بعضهم أن في شرقي منبج مشهدا فيه قبر خالد بن سنان العبسي صاحب الأخدود ومشهدا يعرف بمشهد النور فيه قبر النبي متى وقبر حنظلة بن خويلد أخي خويلد وقبر الشيخ ينبوب ، وقبر عقيل المنبجي وقبر الشيخ علي ومشهد المسيحات في شمالي منبج وغير ذلك من الزيارات.
ويذكر من خواصّ منبج أنه لا يوجد بأرضها عقرب كما لا يوجد في أرض يحمول قرب معرة مصرين. قلت : يكذّب هذا أنني حينما كنت في منبج لا يكاد يمر علي ليلة من ليالي الصيف إلا وأقتل فيها عقربا أو أكثر. فلعل هذه الخواص كانت فبطلت أو لعلها موجودة في أرض منبج القديمة.
وقد خرج من منبج الجديدة عدة محدّثين منهم سنان بن أبي بكر الطائي وهشام بن خالد وأبو بكر محمد بن عيسى الطوسي وأبو القاسم عبد الله بن أحمد الطائي وأبو العباس عبد الله بن عبد الملك المنبجي.
ما زالت منبج عامرة حتى دهمتها جيوش تيمور لنك فخربت عن آخرها وجلا عنها من بقي من أهلها فاستمرت خرابا يأوي إليها شرذمة من التركمان إلى سنة ١٢٩٥ وفيها قدم على حلب طائفة من عشيرة أفزاخ (١) الجركسية مهاجرة من جهات قفقاسية فأقطعتهم
__________________
(١) رسمت «أبزاخ» في «عشائر الشام» لأحمد وصفي زكريا ، ص ٦٩٢ ط. دمشق ١٩٨٤ م. «ع. م».