وأما أهل الكلام فمنهم من يقول : الجسم هو الموجود ، ومنهم من يقول هو القائم بنفسه ، ومنهم من يقول هو المركب من الجواهر الفردة ، ومنهم من يقول هو المركب من المادة والصورة ، وكل هؤلاء يقولون أنه مشار إليه اشارة حسية ومنهم من يقول ليس مركبا من هذا ، بل هو بما يشار إليه ويقال انه هنا أو هناك. والثاني منهما نفي صفة العلو الثابتة لفاطر الأكوان سبحانه نقلا وعقلا وفطرة.
وركبتم بهذا الاصطلاح الفاسد أيضا تحريفين : أحدهما تحريف الحديث ، والثاني تحريف المحكم من آيات القرآن ، فملتم بكل منهما عن أصل وضعه وتأولتموه بما ينفي معناه الظاهر منه من غير قرينة موجبة لذلك ، واقترفتم به أيضا جرمين : أحدهما جرم النفي لما دلت عليه النصوص من الصفات ، والثاني جرم التحريف للنصوص وصرفها عن المعاني المرادة منها : فاجتمع لكم كفلان ، أي نصيبان من الوزر ، وحرمتها بذلك من أجرين : أجر الصدق حيث كذبتم على الله ورسوله ، وأجر الايمان حيث كفرتم بما هو ثابت من الصفات ، ففاتكم بذلك حظان ، أي نصيبان من الأجر.
وكسبتم به مقتين : أحدهما مقت الله لكم حيث قلتم عليه بغير علم ، والثاني مقت المؤمنين حيث خالفتم سبيلهم وأخذتم في سبل الغواية والشيطان.
ولبستم به ثوبين : أحدهما ثوب الجهل حيث لم تعرفوا ربكم بصفات كماله ، وحسبتموها نقصا ، والثاني ثوب الظلم والعدوان حيث تعديتم على حرمة النصوص وجرتم عليها بالتحريف والتأويل.
وتحليتم بطرزين : أحدهما طرز الكبر حيث تأبون قبول الحق والانقياد له والثاني طرز التيه والخيلاء اغترارا بما عندكم من علم مموه وسفسطة كاذبة.
ومددتم نحو العلى باعين لكن قصرت أيديكم عن تناولها : لأنكم لم تعدوا لها أسبابها ولم تأتوها من أبوابها ، ولكن تسورتم عليها من الجدران.