مسألته ما نقص ذلك من ملكه إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.
وإذا كان الأمر كذلك فاتخاذ العبد وسائط فيما بينه وبين الله من الشفعاء والشركاء والظهراء أمر في غاية البطلان ، لأنه سوء ظن بالرب جل شأنه واتهام له بالحاجة إلى من يعلمه بأحوال خلقه أو يغير إرادته أو يستخرج لهم إحسانه ورحمته ، وفيه أيضا تشبيه لهم بالله في استحقاق العبادة والتعظيم ، وهو من أقبح البهتان.
والمشرك مع تشبيه غير الله به فهو يقصد تعظيمه سبحانه ولا يجحد صفاته ولا يعطلها ، ولكن المعطل ليس عنده إلا النفي والنكران ، وأين النكران من الإيمان؟
وإذا كان القلب لا بد له ان يتعبد لشيء ، فإذا لم يعبد الله اتجه إلى عبادة غيره كان المعطل في حيرة من أمره ، لأنه لما نفى الذات أو عطلها عن صفاتها لم يجد ما يعبده من الإله الحق ، فينتقل بعبادته بين هذه الأعيان المخلوقة ، فهو يدعو إلها اليوم ثم يدعو غيره غدا ، ويظل هذا شأنه طول عمره يتعبد لآلهة شتى لا يكاد يثبت على عبادة واحد منها أبدا. وأما الموحد فلا ينتقل من إله إلى إله ، فحاشاه من هذا الإشراك حاشاه ، ولكنه يتنقل في منازل الطاعات ومراتب الإحسان ، مرتقيا فيها من درجة إلى درجة وهو سائر إلى ربه ، ولكن معبوده في كل هذه المنازل هو الله عزوجل وحده ليس له ربان معبودان.
* * *
فصل
في مثل المشرك والمعطل
أين الذي قد قال في ملك عظي |
|
م لست فينا قط ذا سلطان |
ما في صفاتك من صفات |
|
الملك شيء كلها مساوية الوجدان |
فهل استويت على سرير الملك أو |
|
دبرت أمر الملك والسلطان |