الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) [الأحقاف : ٢٠] إلى غير ذلك من الآيات التي تدل أوضح دلالة على أن الذي صد هؤلاء المجرمين عن قبول الحق والانقياد له هو كبرهم ، وهو الذي أدخلهم النار ، وفي الحديث الصحيح : «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، فقال رجل يا رسول الله ان أحدنا يجب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ، فهل ذلك من الكبر ، قال لا أن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس».
وأما الهوى فقد ذكر القرآن أنه إله يعبد من دون الله ، قال تعالى : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) [الفرقان : ٤٣]. وقال : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) [الجاثية : ٢٣] فترى العبد يمنعه هواه تارة ويمنعه كبره تارة ، ثم قد يجتمعان ويشتركان فيه فيصدر ما يصدر عن كبره وهواه فيكون قد بلغ من السوء والشر غايته ومنتهاه والعياذ بالله.
ولو أنك سألت كل واحد من أهل النار عما سلكه في سقر وارداه في جهنم لم تجده إلا تابعا لواحد من هذين أو لهما جميعا. ولو أنك اجتهدت في تجريد نفسك منهما فنفيت عن قلبك الكبر ولم تتبع في دينك الهوى لبلغت كل ما تؤمل من خير وجاءتك وفود التهنئة تترى تزف أليك البشرى بما ظفرت به من فوز ورضوان.
* * *
فصل
(في ظهور الفرق المبين بين دعوة الرسل ودعوة المعطلين)
والفرق بين الدعوتين فظاهر |
|
جدا لمن كانت له أذنان |
فرق مبين ظاهر لا يختفي |
|
إيضاحه إلا على العميان |
فالرسل جاءونا بإثبات العلو |
|
لربنا من فوق كل مكان |