أما هذا اللهو والغناء فهو غذاء النفوس المريضة الأمارة بالسوء ، ولكن القرآن هو قوت القلوب ، ولا يمكن أن يستوي القوتان. ولهذا ترى الغناء هو نصيب أهل النقص القريبين من درجة العجماوات من الجهال والغلمان والنسوان وترى أشدهم تعلقا به ولذة فيه أقلهم حظا من العقل السليم فاسأل به خبيرا. وأين لذة الفساق والمجان من لذة الأبرار في العقل والقرآن.
* * *
فصل
في أنهار الجنة
أنهارها في غير أخدود جرت |
|
سبحان ممسكها عن الفيضان |
من تحتهم تجري كما شاءوا مفج |
|
رة وما للنهر من نقصان |
عسل مصفى ثم ماء ثم خم |
|
ر ثم أنهار من الألبان |
والله ما تلك المواد كهذه |
|
لكن هما في اللفظ مجتمعان |
هذا وبينهما يسير تشابه |
|
وهو اشتراك قام بالأذهان |
الشرح : يعني أن أنهار الجنة تجري على وجه الأرض في غير أخاديد ، وأما قوله تعالى : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [البقرة : ٢٥] فالمراد أنها تجري تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم ، والله سبحانه يمسكها أن تفيض على الجانبين ، وهي أنهار مطردة دائمة الجريان لا يطرأ لها غيض ولا نقصان ، وتتفجر لهم كما شاءوا وأينما كانوا ، كما قال تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) [الإنسان : ٦].
وهي أنهار تجري بأنواع مختلفة من الأشربة ، كما قال تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) [محمد : ١٥] وليست هذه الأشربة كالمعهود منها في الدنيا ، بل بينها من التفاوت في الطعم والشكل ما لا يعلمه إلا الله ، ولا اشتراك بينها إلا في اللفظ ، كما قال ابن