ولذا تراه حظ ذي النقصان كال |
|
جهال والصبيان والنسوان |
وألذهم فيه أقلهم من العقل |
|
الصحيح فسل أخا العرفان |
يا لذة الفساق لست كلذة ال |
|
أبرار في عقل ولا قرآن |
الشرح : فإن أردت أن تحظى بسماع ذلك الغناء العلوي العبقري النشيد فنزه سمعك عن هذه الألحان الدنسة المنطلقة بسعار الشهوة ، ولا تؤثر هذا الأدنى الخسيس على الأعلى الشريف النفيس. فيكون مآلك أن تحرمهما جميعا ، وما أقسى الحرمان وما أصعبه. وأن إيثارك هذا السماع الدني المنحط على السماع العلوي الكريم من أمارات نقصانك في عقلك وإيمانك ، فكيف يؤثر عاقل لذة حقيرة تفوت وتذهب على لذة عالية تبقى وتخلد؟
ووالله أن سماع هذه الألحان لأشد فتكا بالقلب والإيمان من فتك السموم بالأبدان ، وأن الذي يجعل هذا السماع ديدنه وهجيراه ويغرم به لا ينفك أبدا من الإشراك بالرحمن ، فإن القلب هو بيت الرب جل جلاله ووعاء محبته ومعرفته والإخلاص له ، فهو عرش للمثل الأعلى ، فإذا خلا من هذه المعالي الكريمة وتعلق بالغناء واللهو الباطل ، جعله ذلك عبدا للمغنين والمغنيات لا يلهج إلا بذكرهم ، ولا يفكر إلا فيهم ، واعتبر بما نراه في هذه الأيام من تعلق هذه الأمة بمن نبغوا في الغناء والطرب ، من أمثال أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وصباح وغيرهم ، فإنك لا تجد أغلب هذه الأمة إلا عبيدا لهؤلاء ، قد فتنوا بهم أعظم فتنة ، حتى أن الفتيان والفتيات يحفظون أغنياتهم عن ظهر قلب ، وكثير منهم قد لا يحفظ فاتحة الكتاب. فحب القرآن وحب الغناء والألحان في قلب عبد واحد لا يجتمعان. قال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً ، فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [لقمان : ٦ ، ٧] والناس قد استثقلوا القرآن لما فيه من قيود التكاليف وشرائع الإيمان ، ولكنهم استخفوا اللهو والغناء لما فيه من الطرب والألحان.