إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [العنكبوت : ٤٦] وقال (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) [الكهف : ٥٤].
وقال النبي صلىاللهعليهوسلم «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه الا أوتوا الجدل» وقال «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقا» وقد ورد عن السلف رضي الله عنهم من الآثار في ذم الكلام ما لا يتسع له هذا المقام ، ونكتفي هنا بقول الامام الشافعي رضي الله عنه (حكمى في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في العشائر ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة) وقول أبي يوسف : (من طلب العلم بالكلام تزندق).
وأما الثاني فهو باب المنطق الذي وضعه أرسطو أشهر فلاسفة اليونان وقد سماه المؤلف باب الحريق لأن معظم من دخلوا منه واتخذوه آلة لعلمهم أحرق دينهم وايمانهم. بسبب سوء استعمالهم له ، والا فالمنطق قواعد عقلية مجردة يعرف بها تركيب الحدود وتأليف الاقيسة. ولما كانت معظم الطوائف العقلية من فلاسفة ومعتزلة وأشعرية قد ضلت بهذا المنطق حيث اتخذته أداة لتحصيل عقائد الايمان معرضة عن أدلة الحديث والقرآن فقد حمل عليه شيخ الاسلام ابن تيمية وألف في نقضه كتبا قيمة تدل على ما بلغه رحمهالله من قدرة في الجدل وبراعة في النقد قد لا تتاح لأحد بعده في الاسلام.
وكذلك دخلتم بسببه في دارين ، دار الجهل في الدنيا حين أعرضتم عن علم الكتاب والسنة ، ودار الخزى والهوان في الآخرة حيث ارتكبتم من الكفر والتعطيل ما يوجب لكم نار السعير وبئس المصير ، وذقتم به لونين من الطعام. أحدهما لون الشك الذي أكل بمرارته قلوبكم. والثاني لدن التشكيك الذي تفسدون به غيركم.
وركبتم بسببه أمرين قد أهلكا الأمم الماضية قبلكم ، أولهما تقديم آراء الرجال على الوحى المنزل حيث تنصرفون في الوحي بالنفي والتأويل ، ولكنكم تأخذون كلام الناس قضايا مسلمة بلا دليل ، والثاني نسبتكم الرسل عليهم الصلاة والسلام