ذلك في واقع الأمر ، وإنما هي فروض وتخمينات لم تثبتها تجربة ولم يقم عليها دليل.
والجوهر الفرد الذي زعمه أهل الكلام ونصبوه صنما لهم تدور حوله كل أفكارهم ومذاهبهم قامت أدلة كثيرة على بطلانه. وكان الذي قام بإبطاله هم الفلاسفة انتصارا لمذهبهم الهيولي والصورة ، وقد قام المتكلمون من جانبهم بإبطال نظرية الفلاسفة ، وهكذا ضرب الله بعض المبطلين ببعض ، وبقي أهل الحق والإيمان بمنجى من هذا الإفك والبهتان ، فما أورد على نظرية الجوهر الفرد أنه يلزم عليه أن تكون الخردلة مركبة من عدد من الجواهر الفردة يساوي ما تركب منه الجبل الضخم ، إذ كان كل منهما مركبا من أجزاء غير متناهية العدد.
وهذا الإيراد إنما يتوجه على مذهب النظام الذي يقول بتركيب الجسم ، أي جسم من أجزاء غير متناهية ، فلزمه أن تكون الخردلة مساوية للجبل. وقد أورد عليه أيضا أن النملة إذا مشت بين نقطتين على جسم فإنها لا تستطيع قطع المسافة بينهما لعدم تناهيها إذ كانت مركبة من أجزاء غير متناهية ، وقد أجاب بأنها تمشي بعضا وتطفر بعضا ، فذهبت طفرة النظام مثلا ، وما أحسن قول الشاعر :
مما يقال ولا حقيقة عنده |
|
معقولة تدنو الى الأفهام |
الكسب عند الأشعري والحال عن |
|
د الهاشمي وطفرة النظام |
ومما أورد على الجوهر الفرد أيضا أنك اذا وضعت جوهرا فردا بين جوهرين فردين وجعلته وسطا بينهما ، فانهما لا يتلاقيان ما دام هذا الوسط قائما ، وحينئذ يقال : اما أن يكون ما مسه أحدهما من هذا الوسط هو عين ما مسه الآخر بلا فارق أصلا ، وهذا محال لأنه يؤدي الى انعدام الوسط نفسه ويقتضي تلاقيهما حال وجوده بينهما ، وأما أن يكون ما مسه أحدهما منه غير ما مسه الآخر ، وهذا يقتضي قبوله للانقسام ، فيبطل ما زعموه من عدم هذه الجواهر الفردة للقسمة أصلا ، وهذا دليل بين على فساد هذه الخرافة التي نسجتها أوهام