فيقول سبحان الذي ذا صنعه |
|
سبحان متقن صنعة الإنسان |
لا الليل يدرك شمسها فتغيب عن |
|
د مجيئه حتى الصباح الثاني |
والشمس لا تأتي بطرد الليل بل |
|
يتصاحبان كلاهما أخوان |
الشرح : فإن كنت لا تزال مفتونا بما هاهنا من جمال ، مأخوذا بسحر عيون ربات الحجال ، فاسمع ما سأقصه عليك من صفات عرائس الجنان وما بلغنه من كمال في باب الحسن والإحسان ، ثم اختر لنفسك ما يحلو منهن أو من هؤلاء النسوان ، فهن حور حسان قد عملت خلائقهن ، فلا يرى من عيب ولا نقصان ، وكملت محاسنهن حتى ليحار الطرف فيهن من رقة الجلد وصفاء الالوان ، وحتى ليرى مخ سوقهن من وراء ثيابهن ويرى الناظر وجهه في كبد احداهن ، كما ترى الصور في المرآة ، ولا تسل عن جمال العيون ، ففيها كل السحر والفتون ، قد زانها الحور فاشتد بياض بياضها واشتد سواد سوادها ، والتأم كل منهما بالآخر وتناسبا حتى أصبحا يشعان الفتنة. وبالجملة ففيهن كل ما شئت من شباب وجمال وحسن ودلال ، حتى يقول صاحبها حين يشاهدها وهو مشدوه حائر الطرف : سبحان من كملك جسما ومعنى وأعطاك هذا الحسن والإحسان ، ويظل طرفه يشرب من كئوس جمالها ويعبّ من معين فتنتها وسحرها ، حتى يصير ثملا نشوان في مثل الشارب السكران. كملت خلائقها ، فلا يصدر عنها إلا كل جميل من عفة وشرف وطاعة للزوج وتحبب إليه وقصر للطرف عليه ، ومناجاته بأحب الكلام إليه ، لا يبدر منها إليه ما يسوؤه ولا يرى منها ما يكرهه ، ولا يقع منها دائما إلى على كل ما يزيده حبا فيها وانجذابا إليها ، والله سبحانه قد جمع فيها بين الليل والنهار ، فالشمس تجري في محاسن وجهها ، والليل تحت ذوائب شعرها الفاحم الجميل ، فاعجب لشمس وليل كيف يجتمعان ، وقل سبحان من هذا صنعه ، سبحان متقن صنعة الإنسان. ومن عجب أن الشمس والليل باقيان فيها لا يستطيع كل منهما أن ينسخ الآخر ، فلا الليل بمدرك شمسها فتغيب عند إقباله ، ولا شمسها تأتي بطرد الليل وإدباره ، بل هما فيها متلازمان كأنهما أخوان.