ما في الجنان من انتظار مؤلم |
|
واللفظ يأباه لذي العرفان |
لا تفسدوا لفظ الكتاب فليس في |
|
ه حيلة يا فرقة الروغان |
ما فوق ذا التصريح شيء ما الذي |
|
يأتي به من بعد ذا التبيان |
لو قال أبين ما يقال لقلتم |
|
هو مجمل ما فيه من تبيان |
الشرح : قال الله تبارك وتعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٢] فوصف الوجوه أولا بالنضرة ، كما في قوله تعالى : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) [المطففين : ٢٤] ثم أعاد وصفها بالنظر في الآية الثانية ، وهذا يفهم من غير شك أنه النظر إلى وجه الله سبحانه ، ولكي يرفع توهم أن المراد بالنظر الانتظار كما يدعيه المعطلة نفاة الرؤية ، أتى بالحرف إلى فقال : إلى ربها ناظره ، والذي يتعدى بإلى هو النظر بمعنى الابصار ، يقال نظرت إليه بمعنى أبصرته وأما النظر بمعنى الانتظار فإنه يتعدى بنفسه ، كما في قوله تعالى : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) [الحديد : ١٣].
كذلك أضاف الرؤية إلى الوجه الذي هو محل الرؤية ، إذ هو مشتمل على العينين اللتين تقع بهما ، مما ينفي كل توهم ويزيل كل لبس ، فلا تحتمل الآية أبدا ما تأولها به المعطلة من قولهم أن معناها إلى ثواب ربها منتظرة ، فإن الانتظار آلم شيء للنفس ، والله قد وعد أهل الجنة بأنهم : لا يمسهم فيها نصب ولا يمسهم فيها لغوب هذا وليس هناك أفسد للنصوص وأكبر جناية عليها من مثل هذه التأويلات السخيفة التي يعمد إليها هؤلاء المعطلة الزائفون ليروغوا بها عن الحق روغان الثعالب ، مع أن الآية بلغت الغاية من الصراحة في الأفهام والدلالة على المعنى المراد ، وليس بعد هذا البيان بيان أبدا ، ولكن هؤلاء دأبهم مع هذه النصوص التي هي أبين وأصرح ما يكون أن يدعوا فيها الاجمال والاشتباه ما دامت لم توافق ما قضت به عقولهم المريضة بداء الإنكار والتعطيل ، ومن يضلل الله فما له من سبيل.
* * *