المعرفة وهي الإسلام نقيا من كل شائبة ، فجزاهما الله عن كل من انتفع بعلمهما خير ما يجزي به العلماء العاملين.
يذكر المؤلف أنه امتحن بأربعة أصناف من الناس وكلهم ذوو ضغن وأحقاد عليه ، أما الأول فهو من ذلك النوع الذي يستر جهله بالكبر والنفخة ويتوارى وراء الثياب الواسعة الفضفاضة والكلمات الفخمة الطنانة ، فهو كما يقول فظ غليظ الطبع ، جاهل يتظاهر بالعلم ، حسن المظهر والرواء ، فهو ضخم العمامة واسع الأكمام متفيهق يتشدق بالكلام ، وهو راسخ في الجهل ، ومع ذلك من يراه يظنه من أهل المعرفة لصلع رأسه ، وهو قليل البضاعة في العلم ، ولكنه ذو ثروة هائلة من الأوهام والخرافات. وهو إذا كان قاضيا لا يعرف وجوه القضاء ، فكم ضيع من حقوق ، حتى أن الحقوق لتشكو إلى الله متظلمة من جهله ، كما تشكو الأبدان من طبيب جاهل لا يعرف كيف يشخص الداء ليصف له الدواء المناسب فهو يقتل الناس بجهله ويحمل ذلك على القضاء والقدر. وكم ضجت منه فروج الناس ودماؤهم وحقوقهم التي ضيعها إلى الله الملك الديان.
وقصارى علمه رمي خصومه بأشنع التهم من التكفير والتبديع والتضليل وبهتهم بالإثم والعدوان ، فإذا دعى إلى المناظرة وأيقن أنه منهزم مغلوب لجأ إلى حيلة العاجز الضعيف ، وهي الجأر بالشكوى مرة إلى القضاء ومرة إلى السلطان وهو يستعدي عليه السلطان بأن كلامه هذا يثير فتنة تحل عقد الملك ، بل تزيله وأن الواجب هو عقره والقضاء عليه قبل أن يجتمع عليه الناس ويكثر أتباعه وأعوانه. وهو يوصي من معه ويرسم لهم الخطط ، فيقول إذا دعاكم إلى الكتاب والسنة ، فادعوه إلى ما قال الغزالي والرازي وغيرهما ، وإذا اجتمعتم معه في مجلس فشوشوا عليه حتى لا يسمع كلامه ، وإذا ما ساق حجج القرآن فالغوا فيها وردوها عليه بأنها ظواهر لفظية لا تفيد اليقين ، ثم استنصروا عليه بما حرر ضده من محاضر وبشهادات الزور التي أديت ضده بإحكام وإتقان ، ولا تسألوا هؤلاء الشهود كيف تحملوها ولا عن وقت تحملها ومكانه ، بل أصلحوا ما فيها من خلل وسووها تسوية حتى تقبل ، وإذا هم شهدوا عليه بالزور فزكوا شهادتهم ولا