شاهدا لإثبات التحريف ... (١)
قلت : ليس في القرآن ما يدلّ على وقوع التحريف في التوراة والإنجيل ، تحريفا بهذا المعنى المصطلح (تبديل النصّ أو الزيادة فيه أو النقص). وإنّما هو تحريف معنوي : تفسير الكلام على غير وجهه.
ولم يأت في شيء من الأخبار ولا في كلمات علماء الإسلام ما يشيء بوقوع تغيير أو تبديل في لفظ النصّ وتحريفه بالذات ، كما لا شاهد عليه البتة!
وإليك تفصيل هذا الجانب :
قد أسبقنا أنّ التحريف الذي استعمله القرآن بشأن كتب العهدين يراد به التفسير على غير وجهه وهو تحريف معنوي لا غير.
وقال الإمام محمد بن علي الباقر عليهالسلام : وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده ، فهم يروونه ولا يرعونه. (٢)
وقال الشيخ الطوسي ـ في تفسير قوله تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) ـ : يعني يغيّرونها عن تأويلها. (٣)
وقال الشيخ محمد عبده : من التحريف تأويل القول بحمله على غير معناه ، وهو المتبادر (أي من تعبير القرآن) لأنّه هو الذي حمل اليهود والنصارى على مجاحدة النبي صلىاللهعليهوآله وإنكار نبوّته ، ولا يزالون يأوّلون البشارات إلى اليوم. (٤)
وقد قال تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ). (٥) وقال : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ). (٦)
وقد صرّح القرآن بأنّ التوراة والإنجيل وسائر الكتب النازلة كانت محفوظة لديهم ، لو أقاموها وعملوا بها لابتهجت بهم الحياة العليا السعيدة : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ
__________________
(١) ـ فصل الخطاب ، ص ٣٥.
(٢) ـ الكافي ، ج ٨ ، ص ٥٣ ، رقم ١٦.
(٣) ـ التبيان ، ج ٣ ، ص ٤٧٠.
(٤) ـ تفسير المنار ، ج ٥ ، ص ١٤٠.
(٥) ـ آل عمران ٣ : ٧١.
(٦) ـ البقرة ٢ : ١٤٠.