إنجيله هو نفس النازل على المسيح عليهالسلام ، فقد بدأ إنجيل «متّى» بقوله : «كتاب ميلاد يسوع المسيح». ويبدأ إنجيل «مرقس» بقطعة زعمها من إنجيل المسيح ، ثمّ يتبعها بذكر أحواله منذ قدومه من ناصرة الجليل. ويبدأ إنجيل «لوقا» بما هو صريح في أنّه كتاب سيرة ، يقول : إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصّة في الامور المتيقّنة ... رأيت أنا أيضا ، إذ قد تتبّعت كلّ شيء من الأوّل بتدقيق أن أكتب على التوالي ... ثمّ يذكر قصّة المسيح. وإنجيل «يوحنّا» يبدأ بنفسه ثمّ يعرّج إلى ظهور المسيح والإيمان به.
كلّ ذلك لدليل على أنّها كتبت خصيصا في بيان شخصية المسيح الرسالية. وفيها بعض الاختلاف أو الاختلاق الناشىء عن اشتباه الكاتب أو اختلاف الرواة. (١) إذن فأين صار الإنجيل النازل على المسيح عليهالسلام؟
والظاهر أنّ النازل على عيسى المسيح كانت هي التعاليم والبشارات التي قام بها أثناء رسالته إلى الملأ ، فحفظ منها الحواريون ما حفظوا ونقلوها إلى من بعدهم ، وهكذا دواليك ، حتى سجّلت ضمن الأناجيل المعروفة.
قال الاستاذ النجّار : والقدر الذي وصل إلى العالم من تلك الأناجيل من الجمل والأمثال والنصائح ـ المقتطفة ممّا نطق به المسيح من العظات والحكم ـ يتضمّن حثّ الناس على توحيد الله تعالى واختصاصه بالعبادة والإخلاص في طاعته والعمل بأوامره واجتناب نواهيه وحسن المعاملة بين الإنسان وأخيه ، وهكذا من الأخلاق الفاضلة والسجايا الكريمة. ولم يكتب شيء من هذه الأناجيل في زمانه ولكن بعد انتهاء أمر المسيح قام بعض التلاميذ وتلاميذهم وتلاميذ تلاميذهم وكتبوا قصصا كثيرة. وكلّ واحد يسمّي ما كتبه «إنجيلا». حتّى لقد قيل : إنّ الأناجيل بلغت نيفا ومائة إنجيل. ثمّ اختارت الكنيسة من بينها القصص التي لا تتعارض مع نزعتها ، ولم تكترث لما بين مضامينها من التخالف والتناقض ، مادام ذلك لا يخالف المنزع العام الذي قصدته الكنيسة.
والأناجيل جميعها منقطعة السند ، ولا توجد نسخة إنجيل بخطّ تلميذ من تلاميذ
__________________
(١) ـ راجع ما حقّقه العلّامة فخر الإسلام في موسوعته أنيس الأعلام ، ج ٢ ، ص ١٢٥.