قال الشيخ أبو جعفر الطوسي في ذيل الآية (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها :) (١) فيه تنبيه على بطلان قول الجهّال من أصحاب الحديث : أنّه ينبغي أن يروى الحديث على ما جاء ، وإن كان مختلّا في المعنى. (٢)
نعم ، بهذا الاسلوب المبتذل قام أهل الحشو بشحن حقائبهم من شواذّ الأخبار وغرائب الآثار ، وبذلك مهّدوا السبل لرواج الإسرائيليات ونشر الأقاصيص الاسطورية ، وازدحمت من وفرتها كتب الحديث والتفسير ، وفي التاريخ المدوّن أيضا منها الشيء الكثير.
وهكذا نجد في بضائع أهل الحشو المزجاة حشدا من أخبار التحريف ، سجّلتها المجاميع الحديثية الكبرى ، أمثال الصحاح الست وغيرها من المدوّنات المعروفة عند أهل السنّة. وقد اغترّ بها جماعات ، كانوا حسبوا من تلك الروايات حقائق مرهونة ، فلا بدّ من تأويلها أو علاج آخر ، ممّا ابتدعه أهل الاصول باسم «نسخ التلاوة» ، فغيّروا من عنوان «التحريف» إلى عنوان آخر تمويها بواقع الأمر.
وقد بحثنا فيما سلف أنّ تغيير العبارة لا يحلّ مشكلة الواقع وإنّما يزيد في صلب الإشكال ، لا سيّما وبعض تلك الروايات تنصّ على أنّ الآية (المزعومة) كانت ممّا تتلى حتّى ما بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآله. (٣)
نعم ، كانت المشكلة منحلّة عند أصحابنا الإماميين ، حيث رفضهم الباتّ لتلكم الأراجيف السخيفة ، فلا الأسانيد صحيحة ، ولا المتون متوافقة مع اصول المذهب : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ). (٤)
وإليك نماذج من أحاديث التحريف نقلتها أهل الحشو وسجّلتها أرباب كتب الحديث ، نذكرها تباعا ونعقّب كلّ واحد منها بما نراه من تعليق :
__________________
(١) ـ محمد ٤٧ : ٢٤.
(٢) ـ التبيان ، ج ٩ ، ص ٣٠١. وراجع وصفنا للحشوية في الجزء الثالث من التمهيد ، «الحشوية».
(٣) ـ راجع : المحلّى ، ج ١٠ ، ص ١٤ و ١٦.
(٤) ـ فصّلت ٤١ : ٤٢.