لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً). (١) قيل له : إنّه في المصحف (أَفَلَمْ يَيْأَسِ ..). قال : أظنّ الكاتب كتبها وهو ناعس!
وقال ابن جريج : زعم ابن كثير وغيره أنّها في القراءة الاولى «أفلم يتبيّن ...». (٢)
قال ابن حجر : هذا الحديث رواه الطبري بإسناد صحيح ، كلّهم من رجال البخاري. (٣)
هكذا نسبوا إلى حبر الامّة زعم الغفلة في كاتب المصحف الشريف!
وقد بالغ الزمخشري في الإنكار على صحّة هذا الأثر ، قال :
وقيل : إنّما كتبه الكاتب ، وهو ناعس ، مستوى السينات!
ولكن ، هذا ونحوه ممّا لا يصدّق بشأن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه! وكيف يخفى مثل هذا حتّى يبقى ثابتا بين دفّتي الإمام ، وكان متقلّبا في أيدي اولئك الأعلام المحتاطين في دين الله ، المهيمنين عليه ، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه ، خصوصا عن القانون الذي إليه المرجع والقاعدة التي عليها البناء ، وهذه والله فرية ما فيها مرية. (٤)
هذا كلام هذا المحقّق المتفرّد في الأدب والتفسير.
لكن مثل ابن حجر ـ مع كونه من أئمّة النقد والتمحيص ـ قد أعجبته صحّة السند حسب اصطلاح القوم ، فرجّح النقل على العقل الرشيد ، وأخذ بالمظنون وترك المقطوع به!
قال ـ ردّا على كلام الزمخشري ـ : هذا إنكار من لا علم له بالرجال ، وتكذيب المنقول بعد صحّته ليس من دأب أهل التحصيل ، فلينظر في تأويله بما يليق. (٥)
قلت : بماذا يؤوّل نسبة النعاس والغفلة إلى كاتب المصحف ، وكيف يحتمل أنّه أراد أن يكتب «يتبيّن» فكتب «ييأس» ذهولا؟!
ثمّ كيف يمكن تخطئة قراءة جمهور المسلمين التي ورثوها كابرا عن كابر عن النبي
__________________
(١) ـ الرعد ١٣ : ٣١.
(٢) ـ جامع البيان ، ج ١٣ ، ص ١٠٤.
(٣) ـ فتح الباري ، ج ٨ ، ص ٢٨٢.
(٤) ـ الكشاف ، ج ٢ ، ص ٥٣٠ ـ ٥٣١.
(٥) ـ فتح الباري ، ج ٨ ، ص ٢٨٢.