كانوا في الأغلب ما يكتبون إلّا ما يتعلّق بالأحكام وإلّا ما يوحى إليه في المحافل والمجامع. وأمّا الذي كان يكتب ما ينزل في خلواته ومنازله فليس هو إلّا أمير المؤمنين عليهالسلام لأنّه كان يدور معه كيفما دار ، فكان مصحفه أجمع من غيره من المصاحف.
قال : ولمّا مضى صلىاللهعليهوآله إلى لقاء حبيبه وتفرّقت الأهواء بعده جمع أمير المؤمنين عليهالسلام القرآن كما انزل ، وشدّه بردائه وأتى به إلى المسجد وفيه الأعرابيان وأعيان الصحابة ، فقال لهم : هذا كتاب ربّكم كما انزل. فقال له الأعرابي الجلف : ليس لنا فيه حاجة ، هذا عندنا مصحف عثمان! فقال عليهالسلام : لن تروه ولن يراه أحد حتى يظهر ولدي صاحب الزمان فيحمل الناس على تلاوته والعمل بأحكامه. ويرفع الله سبحانه هذا المصحف إلى السماء.
ولمّا تخلّف ذلك الأعرابي احتال في استخراج ذلك المصحف ليحرقه كما أحرق مصحف ابن مسعود ، فطلبه من أمير المؤمنين عليهالسلام فأبى.
قال : وهذا القرآن عند الأئمة عليهمالسلام يتلونه في خلواتهم. وربّما أطلعوا عليه بعض خواصّهم ، كما رواه ثقة الإسلام الكليني ـ عطّر الله مرقده ـ بإسناده عن سالم بن سلمة قال : قرأ رجل على أبي عبد الله عليهالسلام وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرأها الناس ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : مه كفّ عن هذه القراءة واقرأ كما يقرأ الناس ، حتى يقوم القائم ، فإذا قام قرأ كتاب الله على حدّه وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليهالسلام.
قال : وهذا الحديث وما بمعناه قد أظهر العذر في تلاوتنا هذا المصحف والعمل بأحكامه.
وثانيها : أنّ المصاحف لمّا كانت متعدّدة لتعدّد كتّاب الوحي عمد الأعرابيان إلى انتخاب ما كتبه عثمان وجملة ما كتبه غيره ، وجمعوا الباقي في قدر فيه ماء حار فطبخوه.
قال : ولو كانت تلك المصاحف كلّها على نمط واحد لما صنعوا هذا الشنيع الذي صار عليها من أعظم المطاعن.
وثالثها : أنّ المصاحف كانت مشتملة على مدائح أهل البيت عليهمالسلام صريحا ، ولعن المنافقين وبني اميّة ، نصّا وتلويحا. فعمدوا أيضا إلى هذا ورفعوه من المصاحف حذرا من