من القرآن ليس على ما يقرأها الناس ، فقال عليهالسلام : كفّ عن هذه القراءة ، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم ، فإذا قام القائم عليهالسلام قرأ كتاب الله عزوجل على حدّه ، وأخرج المصحف الذي كتبه عليّ عليهالسلام. (١)
والأحاديث بهذا النمط غير قليل ، وهي إن دلّت فإنّما تدلّ على اختلاف ما بين مصحفه عليهالسلام والمصحف الحاضر ، أمّا أنّ هذا الاختلاف يعود في نصّه أم في نظمه أم في أمر آخر ، فهذا ممّا لا تصريح به في تلكم الأحاديث ، سوى الحديث الأوّل الذي نوّهنا عنه ، فإنّه صريح في وجه الاختلاف ، وأنّه ليس في سوى النظم والتأليف ، لا شيء سواه ، فهو خير شاهد على تبيين وجه الاختلاف المنوّه عنه في سائر الروايات ، وهذا في مصطلح الاصوليين من الحكومة الكاشفة لمواضع الإبهام في سائر كلام المتكلّم الحكيم.
على أنّ نفس الاختلاف في نظم الكلام ، يكفي لوحده سببا لصعوبة التلاوة ، ولصعوبة فهم المراد من الكلام ، لأنّ قوام المعنى بذاته رهن النظم القائم بين أجزاء الكلام ، فلو غيّر ، غيّر المعنى لا محالة. كما أنّ وضع جمل الكلام الواحد في مواضعها حسب إرادة المتكلّم ونطقه خير معين على فهم مراده ، حيث القرائن الحافّة بالكلام إنّما تصلح قرائن إذا وضعت حسب وضع المتكلّم ، دون ما إذا غيّرت عن مواضعها الاولى ، سواء عن عمد أو عن اشتباه.
وبعد ، فإذا كانت مسألة النظم تعدّ من أهمّ المسائل اللفظية الكلامية ـ وهي ذات صلة قريبة بمسألة الإفادة والاستفادة ـ فإنّ هذا ممّا يضمن وجوده بالنحو الأكمل في مصحف عليّ عليهالسلام وتعوزه سائر المصاحف على الإطلاق.
هذا ، وقد ألف الجمهور هذا النسج الحاضر ، واعتادوا عليه خلفا عن سلف طيلة عشرات القرون. فيصعب عليهم التعوّد على خلافه ، ومن ثمّ فهم بحاجة إلى تربية وتعليم وممارسة مستمرّة ممّا يقوم بها صاحب الأمر عند ظهوره ، إن شاء الله.
إذن صحّ قوله عليهالسلام : «قرأ كتاب الله على حدّه» أي على نسجه الأوّل الأصيل الذي
__________________
(١) ـ المصدر ، ص ٦٣٣ ، رقم ٢٣.