حكما ثمّ يرفعها مع بقاء حكمها. لأنّ القرآن يقصد منه إفادة الحكم والإعجاز بنظمه معا. فما هي المصلحة في رفع آية منه مع بقاء حكمها. إنّ ذلك غير مفهوم ، وقد أرى أنّه ليس هناك ما يدعو إلى القول به.
وقال الدكتور مصطفى زيد في كتابه «النسخ في القرآن الكريم» : ومن ثمّ يبقى «منسوخ التلاوة باقي الحكم» مجرّد فرض لم يتحقّق في واقعة واحدة ، ولهذا نرفضه ونرى أنّه غير معقول ولا مقبول.
وقال الدكتور محمد سعاد : لا نستطيع الاقتناع بصحّة وجود المنسوخ تلاوة الثابت حكما لأنّ صفة القرآنية لا تثبت لنصّ إلّا بدليل قطعي ، والنسخ الوارد على القطعي لا بدّ أن يكون قطعيا. فلا بدّ لإثبات كون النصوص المذكورة قرآنا منسوخا ، من دليلين قطعيين ، أحدهما : دالّ على ثبوت القرآنية للنصّ ، وثانيهما : دالّ على زوال هذه الصفة. وواحد من الدليلين لم يقم لواحد من تلك النصوص ، فلا يتمّ كونه قرآنا منسوخا. فلا يصحّ عندنا في موضع الخلاف إلّا القول بثبوت النسخ في الحكم دون التلاوة.
وفي تفسير الآلوسي : والقول بأنّ ما ذكر إنّما يلزم منه نسخ التلاوة ، فيجوز أن تكون التلاوة منسوخة مع بقاء الحكم ـ كآية الشيخ والشيخة ـ ليس بشيء لأنّ بقاء الحكم بعد نسخ لفظه يحتاج إلى دليل ، وإلّا فالأفضل أنّ نسخ الدالّ يرفع حكمه.
ونقل العريض عن بعضهم : إنّ الحقّ أنّ هذا النوع من النسخ غير جائز ، لأنّ الآثار التي اعتمدوا عليها لا تنهض دليلا لهم ، والآيتان (الرجم والرضاع) لا تسمحان بوجوده إلّا على تكلّف ، ولأنّه يخالف المعقول والمنطق ، ولأنّ مدلول النسخ وشروطه التي اشترطها العلماء فيه لا تتوفّر ، ولأنّه يفتح ثغرة للطاعنين في كتاب الله تعالى من أعداء الإسلام الّذين يتربّصون به الدوائر وينتهزون الفرصة لهدمه وتشكيك الناس فيه. والعجيب أنّه قد وردت رواية عن عمر : ولو لا أن يقال زاد عمر في المصحف لكتبتها. فهذا الكلام يدلّ على أنّ لفظها موجود لم ينسخ ، فكيف يقال إنّها ممّا نسخ لفظه وبقي حكمه! وهي موجودة ومسطّرة ومحفوظة على قولهم. ولو كانت آية من القرآن وتحقّق منها عمر لأثبتها من غير تردّد ولا وجل.