عثمان المصاحف لم نقدر منها إلّا ما هو الآن. (١)
وقالت ـ فيما زعمته قرآنا بشأن الرضعات ـ : فتوفّي رسول الله صلىاللهعليهوآله وهنّ ممّا يقرأ من القرآن (٢) وأمثال ذلك كثير.
فقد حاول القوم توجيه ذلك كلّه بأنّها ممّا نسيت وذهب حفظها عن الصدور. ذكر ذلك جلال الدين السيوطي في ذيل قوله تعالى : (أَوْ نُنْسِها) عطفا على قوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ...). (٣)
* * *
والنسخ والإنساء تعبيران عن معنى واحد ، غير أنّ الأوّل يعني رفع الشيء بعد ثبوته في الأعيان ، والثاني ذهابه من الأذهان.
والآية الكريمة تعريض بأهل الكتاب ، كانوا قد حاولوا التشكيك في معتقدات المسلمين : إنّ دين الله لا يتبدّل ولا يختلف فلا موضع لدين جديد.
فجاءت الآية ردّا لهذه الشبهة : إنّ المصالح تختلف ما دامت حياة الإنسان في تطوّر مستمرّ ، فالشريعة القديمة إذا نسخت بشريعة جديدة ، فإنّما هي لمصالح مقتضية ، والكلّ حسب الشرائط الراهنة علاج نافع أو أتمّ.
وقوله : «أو ننسها ...» أي ذهبت معالمها عن صفحة الأذهان ، بما تقادم عهدها وتمادّت مدّتها ، ولم يعد لها ذكر في عالم الوجود.
والنسخ والإنساء ظاهرتان دينيّتان ، تخصّان عهد الوحي الممكن تبديل المنسوخ أو المنسي بمثله أو بأتمّ ، أمّا وبعد انقطاع الوحي بوفاة الرسول صلىاللهعليهوآله فلا نسخ ولا إنساء البتة ، صرّح بذلك عامّة أهل الاصول.
الأمر الذي يجعل من القول بضياع شيء من القرآن أو إسقاطه بعد انقضاء عهد الرسالة قولا بالتحريف الباطل لا محالة ، ومن ثمّ نتحاشاه قطعيّا بلا ترديد.
__________________
(١) ـ الإتقان للسيوطي ، ج ٣ ، ص ٧٢.
(٢) ـ المحلّى ، ج ١٠ ، ص ١٤ ـ ١٦.
(٣) ـ البقرة ٢ : ١٠٦.