المباركة ، فنزلت تأمينا على بثّ الدعوة وانتشارها رغم انوف المناوئين. ولم يكن صلىاللهعليهوآله يخاف على نفسه ، إنّما على دعوته إلى الإسلام من مناوشة جنود إبليس.
(ومنها) قوله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ). (١)
لم يكن صلىاللهعليهوآله يخشى على نفسه الكريمة ، إنّما على تأثير بلاغه ، فربّما كان الإبلاغ بالوصاية وتعيين ابن عمّه علي عليهالسلام خليفة وأميرا للمؤمنين من بعده ربّما أثار ضغائن القوم فينقلبوا على أعقابهم مرتدّين ، فيهدر كلّ ما عمله لبناء الإسلام لحدّ ذاك.
ومن ثمّ جاءت الآية تؤمّنه على كبت ذوي الأحقاد دون أن يستطيعوا من مقابلته بشيء. فالمراد : عصمة دينه وشريعته من الزعزعة والزوال.
(ومنها) قوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ). (٢)
لم يكن الأنبياء صلوات الله عليهم يتمنّون سوى ثبات شرايعهم وسيطرتها على الآفاق ودوام حكومتها عبر التاريخ. ولكن أنّى ودسائس أبالسة الجنّ والإنس من الّذين يسعون في آياته معاجزين ، لكن الحقّ ـ دائما ـ يعلو ولا يعلى عليه : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ). (٣)
فينسخ الله ـ بلطفه الخفيّ ـ ما يلقي جنود إبليس ، ثمّ يحكم مباني شريعته ، والله عليم حكيم.
وهذا تأمين عام ، لثبات الدين ودوام تأثير شرايع الله في الأرض.
(ومنها) قوله : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ). (٤)
__________________
(١) ـ المائدة ٥ : ٦٧.
(٢) ـ الحج ٢٢ : ٥٢.
(٣) ـ الأنبياء ٢١ : ١٨.
(٤) ـ القيامة ٧٥ : ١٦ ـ ١٩.